22 ديسمبر، 2024 11:45 م

الصراع في العالم، صراع اقتصادي

الصراع في العالم، صراع اقتصادي

تحاول امريكا بمختلف الوسائل والحجج جر روسيا الى سباق تسلح جديد، وهي في هذا تدرك بصورة تامة، ان هذا السباق سوف ينهك الاقتصاد الروسي الذي يعتمد في القسم الكبير منه على الموارد الطبيعية التى تكتنزها الارض الروسية، الغاز والنفط. اختارت كمدخل لهذا السباق هو التهديد بالانسحاب من المعاهدة الروسية الامريكية للقوات النووية القصيرة والمتوسطة المدى، التى تم ابرمها في زمن الاتحاد السوفيتي السابق، في عهد الرئيس السوفيتي في حينها كورباتشوف والامريكي ريغان وفي عام1987والتى كانت تقضي بتدمير تلك القوة النووية الصاروخية، وبالفعل تم تدمير 1792صاروخ روسي، و853صاروخ امريكي، قصير ومتوسط المدى. فقد هددت امركا، روسيا بالانسحاب من تلك المعاهدة في غضون ستين يوما اذا لم تلتزم روسيا بمحددات تلك المعاهدة. روسيا من جانبها اكدت من انها لم تنتهك تلك المعاهدة. لكن الامر لم يكن يعني روسيا فقط على اهمية هذا الهدف الامريكي البعيد، في الذي يخص روسيا بل لايقل اهمية عن الاول، هو اشراك الصين في مباحثات جديدة يصار بها، الى التوصل الى اتفاقية جديدة وربما اشراك دول الاخرى لكن الاهم هو اشراك الصين. هنا، هذا هو المرمى الامريكي المضاف؛ هو جعل ما يدور في الصين او ما يجري في الصين من تطوير لهذه الاسلحة او غيرها، الان او في وقت لاحق، تحت المجهر، هذا اذا ما وافقت الصين على الدخول في مشاروات من هذا النوع. الصين تعتمد في قوتها النووية وفي الجزء الكبير من تلك القوة على الصواريخ متوسطة المدى، بالاضافة الى الصواريخ الاخرى العابرة للقارات، الصين تشتغل في برامجها تلك وغيرها بسرية تامة، لذا، من غير المرجح وبدرجة كبيرة جدا تصل الى حدود اليقين من ان الصين سوف لن ترضخ لضغط من هذا النوع وذلك لإدركها من انها لم تصل بعد الى الاكتفاء الكامل لقوة الردع المطلوبة التى يتطلبها صراغ الاغوال على مناطق النفوذ، وهو التنافس الحقيقي الذي يفرضه الواقع، أذ، من غير الممكن ان تهاجم امريكا الصين او بالعكس وايضا من غير الممكن ان تهاجم امريكا روسيا او بالعكس، لأدراك الدول الثلاث فداحة وكارثية اي مواجهة من هذا النوع، اذا، هو هز الهروات النووية ذوات الدمار الكلي في وجه الاخر المنافس او الذي يروم ويخطط للدخول في محميات الاخر، وهي رسائل تهديد وابلاغ: على عدم الاقتراب من تلك المناطق، في النهاية هي تحديد الحدود لمناطق النفوذ والهيمنة. سوف تكون الغلبة لمن ينهكه هذا السباق (الذي لامحال سوف يحصل لجهة الاهداف المرجوة منه امريكيا وليس روسيا او صينيا..) اقتصاديا ومن ثم وبالنتيجة سياسيا، مما يؤدي حكما الى اخراجه من حلبة هذا الصراع..كما حدث لروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في بداية العقد الاخير من القرن العشرين. روسيا وعلى لسان رئيسها بوتين، اوضحت من انها غير راغبة في هذا السباق، في المقابل تريد او تدعوا الى التفاهم حول هذا الموضوع. من الجهة الثانية وكرسالة للتهديد المبطن القصدي لكبح جماح الهيجان المبرمج للثور الامريكي الذي استوطن فيه، جوع الابتلاع، فهو مهما ابتلع واكل لايشبع ابدا، بيًنَ الرئيس الروسي: من ان روسيا قادرة اذا ما انسحبت امريكا من المعاهدة على تحويل صواريخ كليبر المجنحة من صواريخ تطلق من البحر الى صواريخ تطلق من البر بالاضافة الى الصواريخ التى تطلق من الجو كاي اتش 1010الى صواريخ تطلق من البر، في ذات الايضاح: لدينا صاروخ كينز هال الذي لايضاهيه صاروخ اخر في السرعة، ونحن قادرون على صناعة صواريخ اخرى وادخالها الى الخدمة وهي غير مكلفة، هذا اذا انسحبت امريكا من المعاهدة.الصين لم تعلق على تلك الاخبار والتصريحات واكتفت بالصمت والمراقبة والانتظار. لكنها وبسبب ما اسلفنا القول فيه والايضاح؛ من المرجح جدا او بدرجة اليقين، لن تدخل في حوارات من هذا النوع. عليه وكتحصيل حاصل سوف يكون هناك، في العالم وفي القريب، سباق تسلح بين الدول الثلاث وغيرها من الدول الاخرى الكبرى ولكن بدرجة اقل. وهذا هو ما تخطط له امريكا بسبب من انها تمتلك اقتصاد قوي جدا، قادر على احتواء هذا السباق والسيطرة على تداعياته الاقتصادية، بالاضافة الى قوته فهو اي هذا الاقتصاد، مدعوم من اقتصادات الكثير من دول العالم الثالث وعلى الرأس من هذه الدول، دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التى كما بقية دول الخليج العربي الاخرى تشتري سنويا او شهريا، سندات خزانة امريكية، وتشتري ايضا مايلائمها من منتجات هذا السباق، ومن الطبيعي هناك دول اخرى، تمشي مع امريكا بذات النهج الخليجي ولكن بدرجة اقل كثيرا. روسيا سوف تكون، اذا، ما دخلت في هذا الشرك، الخاسر الاكبر، على الاقل في المدى المتوسط. لذا، فهي لن تدخل بالكامل في هذا السباق، سوف تختار ما يلائم ويتناسب من ناحية الكلفة مع اقتصادها؛ من مثل التركيز كما اوضح الرئيس بوتين؛ على الصواريخ من ذوات السرعة الفائقة…وبكميات كبيرة اي الاغراق الصاروخي. اما الصين فهي وكما بينا سوف تظل بعيدة اي اتفاق او حوار حول اي مشروع اتفاق من هذا النوع للاسباب سابقة الذكر. مما يؤهلها لاحقا وفي المستقبل..، ان تتبارى في القوة العسكرية مع امريكا. هنا والمقصود هو المستقبل،المستقبل القريب،في المدى المنظور، سوف لن تصل امريكا الى ما تريد بلوغه من اهداف وبالذا ت في الذي يعني او يخص الصين فالصين دولة تمتلك اقتصاد قوي وهو في نمو مطرد وتصاعدي بما لايمكن ان يقاس به الاقتصاد الامريكي الذي في قسم منه، لايستهان به، يعتمد على النهب وبطرق شيطانية لاقتصادات مناطق النفوذ الامريكي..الصين تتحصل ذاتيا، على القوى العاملة الرخيصة، وهي قوة عمل كبيرة جدا، بالاضافة الى الموارد الطبيعية الكثيرة،ورأس مال ضخم جدا، يتراكم باستمرار.ما يدعمها ايضا وكعامل قوة اخلاقية مضافة؛ هو توجهها الاخلاقي والخالي من اي استغلال، سواء في الاستثمار، في افريقيا او في اسيا، في حقل الصناعة او الزراعة او اي مشاريع شراكة اخرى، فهي اي الصين تتعامل مع تلك الاسواق او الاراضي في الدول التى تهدف الى مد جسور التعاون معها بطريقة متوازنة ومتكافئة نسبيا. وهذا ينطبق على روسيا ولكن بدرجة اقل كثيرا. في الخلاصة ان الصراع في العالم هو صراع اقتصادي، تستخدم القوة العسكرية لفتح منافذ له. اما الحديث عن حقوق الانسان والحرية والديمقراطية على اهمية هذه الاهداف النبيلة، فهي كلمة حق يراد بها الباطل؛ لذا،فهذه الاهداف الانسانية تستخدم كمفاتيح لفتح ابواب البلدان؛ كي يدخلوا الى فضاءاتها ومن ثم العبث المبرمج فيها وهنا المقصود امريكا والغرب..

مزهر جبر الساعدي

مزهر جبر صورة نقطة jpg