22 نوفمبر، 2024 6:40 م
Search
Close this search box.

الصراع شيعي-شيعي أم عراقي-عراقي أم …؟

الصراع شيعي-شيعي أم عراقي-عراقي أم …؟

كثيرون أصبحوا يرددون منذ مدة غير قصيرة الكلام عن ثمة صراع شيعي-شيعي يهدد باندلاع قتال شيعي-شيعي. لكني لا أرى من الصحيح اعتباره صراعا شيعيا-شيعيا، قد يهدد باندلاع قتال شيعي-شيعي بل، هو صراع عراقي-عراقي، يحمل خطورة اندلاع قتال عراقي-عراقي، مما نرفضه رفضا قاطعا، ونحذر من خطورته. أما لماذا أقول إنه عراقي-عراقي، فلأنه بين عراقيين موالين لنظام ولاية الفقيه، ولعلي خامنئي، ومؤتمرين بأوامر قاسم سليماني على أحد الطرفين، وبين عراقيين رافضين للنفوذ بل أقول الاحتلال الإيراني على الطرف الآخر. ومن الصدف أن كلا الطرفين المتصارعين، ثم ربما لاحقا لا قدرت الأقدار المتقاتلين، إذا آل الصراع إلى قتال، هم من العراقيين الشيعة. وهذا مع كونه سيكون مرفوضا وخطيرا، فهو بتقديري مع كل سيئاته ومخاطره وكوارثه المحتملة التي لا نتمناها أبدا، أقل خطرا مما لو كان بين شيعة موالين للنظام الإيراني، وسنة معارضين للاستعمار الإيراني، لأنه كان سيكون قتالا طائفيا، وهذا ما سيكون أكثر خطرا ودمارا بكثير، مع إن كل قتال مرفوض ومدان ومدمر.
لكن علينا ألا ننسى إن الذين بدأوا العنف وإطلاق الرصاص الحي هم عملاء إيران، سواء عمالة عقيدة وولاء، أو عمالة مصلحة من أجل بقائهم في السلطة، وسواء كانوا يعون عملاتهم أو لا يعونها. ومع سقوط ما يقارب المئتي قتيل من الشباب المتظاهرين، لم يواجه المحتجون الرصاص بالرصاص والقتل بالقتل، بل حاولوا بكل جهدهم أن يحافظوا على سلمية الاحتجاجات، باستثناء حالات مفردة، حصلت من قبل أشخاص، هم إما مندسون، دستهم على الأغلب نفس القوى الموالية لنظام ولاية الفقيه، من أجل أن تعطي لنفسها شرعية القتل (الحلال) أو قتل (التكليف الشرعي)، وإما هم من غير المنضبطين، مما نجده حتى في تظاهرات المجتمعات ذات الديمقراطية الراسخة.
لكن هناك خطورة إذا ما دخل الصدريون على الخط، وإذا ارتأى زعيمهم التحول من اعتماد السلمية، إلى قرار مواجهة السلاح بالسلاح والقتل بالقتل والدماء بالدماء، فهنا ستكون خطورة إشعال حرب، يسميها البعض شيعية-شيعية، وأسميها عراقية-عراقية، وكلاهما يجب أن نتجنبه، ونجنب شعبنا كوارثه اللامحدودة، إذا حصل لا قدرت الأقدار.

وسمعنا أصواتا تريد أن تجعل الصراع عربيا-فارسيا، فهو عندهم بين عرب العراق، أو بالتحديد بين عرب شيعة العراق، و(الفرس المجوس)، مستعيرين مصطلحات صدام حسين، من حيث لا يعون، والبعض من حيث يعون. وهؤلاء يغفلون عن حقيقة أن أكثرية الشعب الإيراني نفسه بكل قومياته، بما في ذلك أبناء القومية الفارسية، ناقمة على نظام ولاية الفقيه، ورافضة لتدخل النظام الثيوقراطي المستبد في شؤون العراق ولبنان وسوريا واليمين، بدلا من الالتفات إلى مشاكل واحتياجات ومعاناة الشعب الإيراني. وكذلك من الخطأ القول إنه صراع عراقي-إيراني، فهذا لا يصح إلا إذا كان الصراع بين شعبي العراق وإيران، لكن قد يصح أيضا إذا كان الصراع بين نظامي الحكم في كل من البلدين، وليس في حالة كون معظم الماسكين على السلطة في العراق من الشيعسلامويين وسنة إيران وأكراد إيران، هم إما موالون إيديولوجيا للنظام الإيراني، وإما عملاء مصلحة لإيران، وإما منسقون مع النظام الإيراني لمصالح حزبية وسلطوية.

وأضيف جوابا على سؤال أين كل من السنة والكرد من هذا الحراك، ولست مبررا لهاتين الشريحتين من الشعب العراقي، ففي كل شريحة من شعبنا الجيد والسيئ، الواعي والساذج، لكن أقول حسنا فعل سنة العراق عندما لم يشاركوا في هذا الحراك الشعبي، لأنهم يعون إنهم إذا ما شاركوا، سيعطون المبرر للموالين للنظام الإيراني أن يوصموهم بالداعشية والبعثية، كما إنهم سيؤكدون وصم الحراك نفسه بهاتين الوصمتين المفترتين، كما وصموه كذبا وافتراءً بأن هناك قوى دولية وإقليمية محركة له هي أمريكا وإسرائيل والسعودية.

أكتب هذا لأني أرى في مرحلة حساسة مثل التي يمر بها العراق، لا بد من تصحيح بعض المفاهيم، واعتماد الفكر السياسي الذي نراه أصوب وأنفع وأقرب لمبادئ الديمقراطية والمواطنة، وأبعد عن التوجهات العنصرية، أو الطائفية، كما نبهت إلى خطورة الدعوة إلى النظام الرئاسي المركزي، مع احترام رأي كل ذي رأي، طالما اعتمد هذه المبادئ والمنطلقات، وإن اختلف في النتائج والتشخيصات والتحليلات.

أحدث المقالات