يعتبر تصدير نفط اقليم كوردستان الى الاسواق العالمية تطورا مفصليا سيعيد تشكيل العلاقة بين حكومة اقليم كوردستان وحكومة بغداد على اسس جديدة , وتحول الاقليم الى قوة سياسية واقتصادية مؤثرة على صعيد العراق والمنطقة . ان هذا التطور اظهر بان حقيقة المشاكل بين اربيل وبغداد لا تكمن في بنود دستورية بقدر ما هي مشكلة سياسية تتعدى القوالب القانونية لتصل الى النهج الخاطئ الذي يتبناه المركز والمتناقض تماما مع الواقع العراقي الجديد ومع الرؤية الكوردية لهذا الواقع .
ولعل ساسة المنطقة الخضراء فهموا اخيرا بان ادعاءات عدم دستورية الخطوات الكوردية اصبحت مبررات سمجة لا تقنع احدا علاوة على افتقارها الدليل الدستوري والمنطقي , لعدم وجود بند في الدستور العراقي يشرح تنظيم العلاقة النفطية بين اقليم كوردستان وبغداد , في الوقت الذي يفتقر فيه المركز لقانون النفط والغاز لتنظيم هذه العلاقة . فبدئوا بالادعاء بان تصدير النفط بهذا الشكل يمثل انتهاكا للسيادة العراقية معتمدين على النقاط التالية : –
1- ان تصدير النفط من العراق يجب ان يكون من خلال شركة سومو ولا يحق للإقليم القيام بذلك .
2- ان تصدير النفط من قبل كوردستان يعتبر انتهاكا لسيادة العراق .
3- ان هذا التصدير يعتبر انتهاكا للاتفاقيات المبرمة بين تركيا والعراق بخصوص طريقة التصدير من ميناء جيهان التركي والجهة المشرفة عليها وعلى الميناء هناك كما صرح بذلك الناطق باسم وزارة النفط العراقية يوم امس .
4- المراهنة على موقف امريكا الرافض لهذه الخطوة .
ان هذه الاتهامات الجديدة تعتبر اخر ما تفتق به ذهن سياسيو المنطقة الخضراء لتشير الى عدم قدرتهم استيعابهم للواقع العراقي الجديد وذلك حسب ما سنوضحه ادناه :-
1- ان وجود شركة سومو كشركة مشرفة على مبيعات النفط العراقية لا تعني بالضرورة الزام اقليم كوردستان بوجودها وذلك للأسباب التالية :-
* ان سومو لا تعتبر تركيبة او هيئة اتحادية بل هي تنظيم اداري ذات شخصية معنوية مرتبطة بهيكلية وظيفية وإدارية لوزارة من وزارات المركز وليس الاقليم , ولا يوجد في الدستور العراقي ما يشير لوجودها علاوة على عدم وجود قانون للنفط والغاز تحدد ملامح هذه الشركة .
* وجود سومو لم يأت اثر مفاوضات بين المركز والإقليم ولا يوجد في هذه الشركة اية مظاهر للعراق الفدرالي الذي يشكل فيه كوردستان مكونا سياسيا مهما , لذلك فهي لا تعتبر مرجعا اداريا يستوجب الرجوع اليه في تصدير نفط كوردستان .
* ان ما اقدمت عليه الحكومات العراقية بعد الالفين وثلاثة من اعادة هيكلة وزارات عراقية كثيرة تستوجب اعادة النضر في هيكلية سومو والمهام المنوط بها ومسئولياتها .
2- الادعاء بان تصدير النفط الكوردستاني يعتبر مساسا بسيادة العراق لا يعبر عن الحقيقة قدر تعبيرها عن النهج الذي تسير عليه بغداد والمتناقض مع وجود العراق كدولة اتحادية فدرالية , فلا زالت حكومة المنطقة الخضراء ترى ان مبدأ سيادة الدولة يعني سيطرة المركز على جميع مرافق الحياة في الدولة , دون تميز بين مبدأ السيادة في الدول المركزية والدول الاتحادية , وبذلك فهي تخلط بين التعريفين بما يعزز فكرة الدولة المركزية , رغم ان الدستور العراقي ليس فيه ذكر لمنع الاقاليم من التصرف بثرواتها ما دامت وارداتها ستدخل في الخزينة العامة للدولة .
ان النهج المركزي هذا يعتبر من احدى الاسباب التي تقف وراء فشل المركز في ادارة الملف النفطي في المناطق التابعة له .
3- تصريح النطاق باسم وزارة النفط العراقي السيد عاصم جهاد بان الاتفاقيات بين تركيا والعراق تؤكد على ان شركة سومو هي من تشرف على مبيعات النفط العراقية في ميناء جيهان ولا يمكن اعطاء الحق لغيرها في امتلاك هذا الحق .
ان هذا التصريح يعبر عن قصور فهم الجهات الحكومية في المركز لواقع العراق الجديد , فالحكومة العراقية الحالية قد الغت اتفاقات كثيرة وقعها العراق مع دول اخرى في عهد صدام حسين ولم تعتبرها اتفاقات مقدسة , بينما تعتبر الاتفاق العراقي التركي بشان ميناء جيهان والمسئول عن التصدير فيه اتفاقا مقدسا ينتج عن نقضها اللجوء للمحاكم الدولية والقضاء الدولي . في الوقت الذي يعتبر كوردستان العراق جزءا من العراق , وان تصرف الاقليم في ميناء جيهان واستغلال الخزانات العراقية فيها لا يعتبر انتهاكا للسيادة العراقية , ولا مبررا للجوء الى التحكيم الدولي , إلا اذا كانت حكومة المنطقة الخضراء لا ترى في كوردستان طرفا عراقيا , فحينها يحق لها الاحتكام للقضاء الدولي .
4- ان رهان حكومة المنطقة الخضراء على ان موقف امريكا الرافض لتصدير النفط الكوردستاني يمكن ان يثني الاقليم عن هذا الحق هو رهان خاسر , فرغم الرفض الامريكي لهذه الخطوة إلا انه لم يمكن رفضا شديد اللهجة , اضافة الى ان الرفض جاء على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الامريكية , وهذه التصريحات عادة تعبر عن موقف دبلوماسي اكثر منه موقفا سياسيا حقيقيا , وعلى حكومة المالكي عدم الذهاب بعيدا في هذا الحلم , فالإقليم قد قرر المضي في هذا الطريق رغم اعتراض امريكا .
ان كانت امريكا مهتمة كثيرا بهذا الملف فعليها ان تضغط على حكومة المنطقة الخضراء للعدول عن قرارها بقطع موازنة الاقليم ورفض تصدير الاقليم لنفطه , والأخذ بالمقترح الكوردي في تشكيل لجنة مشتركة من الاقليم والمركز تشرف على عمل سومو في بيع هذه الصادرات , ما عدا ذلك فالاقليم ليس لديه ما يقدمه اكثر . ولا يعترينا الشك في قدرة امريكا اخضاع حكومة المنطقة الخضراء لاوامرها بسبب العهر السياسي الذي تمارسه هذه الحكومة مع امريكا والجارة ايران منذ اول ايام تشكيلها ولغاية يومنا هذا .