تشكل الصراعات التاريخية والمعاصرة ديناميكيات منطقة الشرق الاوسط الحالية .
ومن بين هذه الصراعات، يبرز الصراع العربي الإسرائيلي والنزاعات الإسرائيلية الإيرانية ، حيث يتميز كل منهما بدوافع وتداعيات مختلفة . ولكل منهما تأثيرات عميقة على الاستقرار الإقليمي، إلا أنهما مختلفان جوهرياً في طبيعتهما ،
فالصراع العربي الإسرائيلي في الاساس صراع وجود ، تضرب جذوره في خلافات تاريخية ودينية وقومية عميقة. في المقابل، يوصف الصراع الإسرائيلي الإيراني بشكل أكثر دقة بأنه صراع على النفوذ، من أجل الهيمنة الإقليمية والتفوق السياسي .
بدأ الصراع العربي الإسرائيلي عند إنشاء دولة إسرائيل عام 1948. والذي سمي بالنكبة ،ثم الحروب اللاحقة التي تسببت في تهجير عدد كبير من الفلسطينيين، وأدت إلى خلق أزمة لاجئين طويلة الأمد . واصبح حق عودتهم الى ارضهم ، وتقرير مصيرهم قضيتين مركزيتين ، وساهم ذلك في تحديد طبيعة الصراع ليس للفلسطينيين حسب بل للعرب كلهم ، حتى اصبحت فلسطين الشغل الشاغل للدول العربية ، فتسببت في سلسلة من الحروب والنزاعات المستمرة .
وقد أكدت الحروب السابقة، وعلى الاخص حرب حزيران عام 1967 وحرب تشرين عام 1973، على الطبيعة المصيرية لهذا الصراع .
ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وقضية اللاجئين الفلسطينيين دون حل، يزيد من ترسيخ الطبيعة الوجودية لهذا الصراع .
وفي المقابل الصراع الإيراني الإسرائيلي الذي يمكن فهمه على أنه صراع من أجل التوسع والنفوذ الإقليمي .
وتشمل الجوانب الرئيسة منه على بسط الهيمنة الإقليمية للنظام الإيراني وطموحه في أن يصبح القوة المهيمنة في الشرق الأوسط ، مما يتعارض احيانا مع المصالح التوسعية لإسرائيل .
ويتجلى هذا التنافس في صراعات إقليمية مختلفة، كما هو الحال في سوريا ولبنان . على عكس الحروب المباشرة التي شهدناها في الصراع العربي الإسرائيلي، فإن الصراع الإيراني الإسرائيلي يدور إلى حد كبير من خلال مجموعات بالوكالة. وتدعم إيران حزب الله في لبنان وميليشيات مختلفة في سوريا والعراق . ورداً على ذلك، تنفذ إسرائيل العديد من العمليات العسكرية للحد من التمركز الإيراني بالقرب من حدودها .
وفي حين يتمحور الصراع الإيراني الإسرائيلي حول الهيمنة الإقليمية وتعارض المصالح ، فإن الصراع العربي الإسرائيلي كان يدور تاريخياً حول الاستيطان الإسرائيلي واحتلال الاراضي الفلسطينية .
عندما اغلقت مصر مضايق تيران في البحر الأحمر عام 1967 شعرت اسرائيل بتهديد وجودي لها ، فاقدمت على شن حرب استباقية على مصر والدول العربية . وهذا مالم نجده بالعلاقة المتوترة ظاهريا بين ايران واسرائيل . حيث تعلم إسرائيل ان التهديد الايراني لايمس كيانها فبقيت على مستوى عسكري منخفض بالتعامل معه او مع اذرعها في المنطقة .
وعندما فكر العراق بانشاء مفاعل نووي اقدمت اسرائيل على ضربه ، وكذلك فعلت مع المفاعل السوري . اما تجاه المفاعل النووي الإيراني، فلم تقدم على استخدام القوة ، وفضلت مع حلفائها الامريكان والاوروبيين التفاوض حوله !
بقيت اسرائيل على مسافة محددة تجاه ايران وآثرت بقاءها بقوة في المنطقة لزعزعة استقرار الدول العربية .
ان الحروب العربية الإسرائيلية تميزت بضراوتها وشدتها وتسببت في احتلال اراضي عربية .
في حين نشاهد المناوشات بين اذرع ايران في المنطقة مع اسرائيل
تستند على قواعد اشتباك محدودة
وعلى الرغم من التصعيد الأخير، مازالت هناك قيود حاسمة على كل من إيران وإسرائيل حتى لا يرقى إلى مستوى الحرب الشاملة.
ولان نزاعها مع اسرائيل من اجل الحفاظ على نفوذها فهي توظف القضية الفلسطينية كوسيلة ضغط على اسرائيل ، ولكنها غير مستعدة للدخول في حرب من اجل فلسطين لان ذلك يقوض طموحاتها وتوسعاتها في المنطقة .
كما انها مستعدة للتضحية بكل اذرعها العربية من اجل تحقيق اهدافها التوسعية .
ولكنها تحجم عن دخول الحرب الا اذا تعرض نظامها للخطر !
وخلاصة القول ، فإن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع عميق الجذور من أجل البقاء، يتسم بحروب مباشرة ومخاطر وجودية لكلا الجانبين . وبالمقابل يشكل الصراع الإيراني الإسرائيلي صراعاً على النفوذ الإقليمي، ويتميز بمعارك بالوكالة، ومناورات محدودة .
إن فهم هذه الاختلافات أمر بالغ الأهمية لأي تحليل شامل للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط وصياغة استجابات دبلوماسية واستراتيجية فعالة .