22 ديسمبر، 2024 11:12 م

الصراع الدولي والاقليمي حول مشروع ميناء الفاو

الصراع الدولي والاقليمي حول مشروع ميناء الفاو

ادركت الصين في وقت مبكر خطورة التهديد الامريكي لتجارتها العالمية فعمدت الى تنشيط طريق الحرير القديم تحت مسمى “الحزام والطريق “ وهذا الحزام يمثل ستة خطوط، ينتهي نصفها الى البحر الابيض المتوسط .

يمثل العراق نقطة تلاقي القارات الثلاث ، ويكون بذلك ضمن الخطوط الصينية المشار اليها ، مما حدى بالصين للتقدم لبناء مشروع ميناء الفاو الكبير . وربطه بالقناة الجافة التي تتكون من سكك حديدية ، وطرق مواصلات سريعة لنقل البضائع الصينية خلال ساعات قليلة الى ميناء اللاذقية السوري على البحر المتوسط . ومن ثم الى اوروبا .
ايران هي الاخرى وجدت في هذا المشروع ضالتها لاستخدام هذا الطريق لاغراض الدعم اللوجستي لحلفائها في المنطقة . وبذلك تسعى للربط بينها وبين العراق وصولا الى سوريا ولبنان على البحر المتوسط . هذا من جهة ومن جهة ثانية فان ميناء الفاو الكبير اذا اعطي للصين فسيكون لها موطئ قدم في العراق ومنه الى الشرق الاوسط ، وتكون بذلك في مواجهة امريكا في هذه المنطقة الحيوية . مما يخفف الضغط على ايران ، وبذلك فان هذا المشروع سيكون في صالح الصين وايران في نفس الوقت .

وعليه فان العراق سيكون جزء من هذا المخطط ، وفي قلب الصراع القادم . مما يعرضه لمخاطر بالغة نتيجة كونه ساحة المواجهة بين اكبر قوتين في العالم ، الولايات المتحدة والصين . وسيكون في نفس الوقت اداة ايران الفاعلة للسيطرة على المنطقة .

الميليشيات الموالية لايران لايهمها مستقبل العراق واستقلاله ، ومصلحته في ان يكون بعيدا عن الصراعات الدولية والاقليمية . حيث سيكون في هذه الحالة الخاسر الاعظم ، ويفقد كينونته واستقلاله .

فبعد اعطاء المرحلة الاولى لانجاز مشروع ميناء الفاو الكبير الى شركة دايو الكورية . اعلن الأمين العام لعصائب أهل الحق إنه سيحاول بكل قوته لالغاء هذا العقد .
وفي وقت لاحق ، قال زعيم فصيل صادقون في البرلمان العراقي ، إنه سيستجوب وزير النقل رسميًا من قبل البرلمان .

وهكذا انبرى مؤيدوا التمدد الايراني في العراق والمنطقة العربية بالتأكيد على اعطاء المشروع الى الصين ، ليس حبا بالصين ، وانما تنفيذا لمشاريع ايرانية في السيطرة على المنطقة تحت الجناح الصيني . فنظمت حملة كبيرة من الصحفيين والكتاب المؤيدين لايران باستعراض الفوائد المترتبة على اعطاء مشروع ميناء الفاو الى الصين .

وهناك من انخدع بهذه الاطروحات واعتبر دخول الصين الى العراق عن طريق مشروع الفاو خلاصا من التخلف والفساد ونقل العراق الى مرحلة متقدمة من الرقي والتمدن . وقد نسي هؤلاء ان العراق بامكاناته الذاتية يستطيع تحقيق اهدافه من دون التوسل بوسائل تبعية او استجداء الديون . ونحتاج فقط الى التخلص من النفوذ الاجنبي ، وضمان السيادة على ارضنا وثرواتنا المنهوبه .
وعليهم ان يدركوا بان الصين لم تعد دولة اشتراكية كما كانت سابقا . وهي اليوم تحاول الهيمنة على دول العالم التي لديها صعوبات اقتصادية من خلال تمويل مشروعاتها ، مما يسهل السيطرة عليها اقتصادياً ومن ثم سياسيا .

دول اسيوية وافريقية كثيرة أبدت استعدادها لتقبل الاستثمارات الصينية ، واعتقدت أن الاموال الممنوحة لها هي منح مجانية . لكنها وجدت ان هذه الاستثمارات ماهي الا قروض ذات فوائد مكلفة جدا ، وتكبل هذه الدول لتجعلها اسيرة السياسات والهيمنة الصينية.

وقد استثمرت الصين مليارات الدولارات لدول عديدة ، وتعذر عليها سدادها او تسويتها . وتواجه الصين اليوم مطالب متزايدة لتخفيف الديون او تاجيلها .

ومؤخرا طلبت باكستان من الصين اعادة جدولة الديون نتيجة الاستثمارات الصينية فيها .
وهناك طلبات مماثلة على بكين من قيرغيزستان وعدد من الدول الأفريقية ، حيث طالبت بإعادة هيكلة الديون، أو تأخير السداد أو التنازل عن عشرات المليارات من الدولارات من القروض المستحقة هذا العام نتيجة الاستثمارات الصينية فيها . وقد وضعت كثير من
الموانئ والمناجم وغيرها كضمانات .

في جيبوتي من المتوقع أن تبلغ الديون 88% من جملة ناتجها المحلي البالغ 1.72 مليار دولار، وأغلبها ديون للصين، وربما تواجه هي الأخرى احتمال تسليم الصين بعضا من أصولها لتسديد ديونها .

وسلمت سريلانكا ميناء هامبانتوتا
الخاص بها إلى شركة صينية تديرها الدولة في عام 2017 كمقايضة ديون تصل إلى 1.2 مليار دولار أمريكي !.

وكان براهما شيلاني أستاذ الدراسات الإستراتيجية بالهند من أوائل الذين حذروا من مشاريع الصين الهادفة إلى استغلال الموارد بالعالم الثالث وغزو الأسواق المحلية بالسلع الصينية واطئة الجودة . كما ترسل بكين أحيانا عمالتها الخاصة للمنافسة على الوظائف المحلية ، ونتيجة لذلك “أصبحت هذه البلدان غارقة في فخ الديون الصينية”.

وفي هذا الصدد، قال رئيس الوزراء الماليزي محمد مهاتير
باننا لانريد نسخة جديدة من الاستعمار” وأبلغ الرئيس الصيني حينها أن بلاده ألغت ثلاثة مشاريع اقتصادية عملاقة كانت ستمولها بكين، وأكد حينها أن الأمر لا يتعلق بصب أموال كثيرة، إنما في عدم قدرة كوالالمبور على سدادها.
كما الغت دولة سيراليون الأفريقية مشروعًا بتمويل صيني بقيمة أربعمئة مليون دولار لبناء مطار فيها .

وقد حذّر خبراء أفارقة بارزون من أن الصين قد توقع الدول الأفريقية في فخ الديون، من خلال الاستثمارات فيها او منحها قروضاً ثقيلة قد لا تتمكن من سدادها .

أن بكين في سياساتها هذه بدأت تؤثر على القرارات الاقتصادية والسياسية لتلك الدول . وبذلك تتمدد الصين في كل انحاء العالم لتصبح الدولة الاعظم في منافستها للولايات المتحدة من خلال “الحزام والطريق” النسخة الحديثة من طريق الحرير .

أندريه دوفنهيج الأستاذ في جامعة نورث وست بجنوب أفريقيا يقول “في النهاية، ستطلب الصين من الدول المتعثرة عن سداد ديونها أشكالًا أخرى من إعادة الدفع، مثل الاستيلاء على الموانئ والأراضي”.

وبناء عليه فعند الحديث عن ميناء الفاو الاستراتيجي يجب ان نأخذ كل هذه الاعتبارات في الحسبان ، اضافة الى مخاطر النزاعات الاقليمية والدولية ، والنظر الى مصلحة العراق وشعبه قبل محاباة اطرافا ودولا تحقق مصالحها على حساب المصلحة الوطنية للعراق .
ادهم ابراهيم