في عام 2003 عندما إحتلت أمريكا العراق قالت “جئنا لنبقى” و أسموا العراق “الولاية البعيدة”، فأمريكا إحتلت العراق ليكون تابعاً لها و ليس نداً لها. و أنشأت لحكم العراق سلطة الائتلاف المؤقتة والتي بدورها شكلت مجلس الحكم الذي يتكون من 25 عضو من الساسة المعارضين للنظام السابق و الذين كانوا يعيشون في خارج العراق.
في عام 2004 أرادت أمريكا تشكيل مجلس حكم يضم 100 عضو لإدارة شؤون العراق بدلاً من مجلس الحكم الذي يضم 25 عضو. إلاّ أن السيد السيستاني رد على هذه الخطة الأمريكية و قال “نريد إنتخابات حرة وليس تعيينات”، لأن التعيينات تعني أن أمريكا تستطيع أن تفرض في مجلس الحكم من يدارون مصالحها على مصالح الشعب العراقي، أما الإنتخابات فتعني أن الشعب العراقي يستطيع أن يختار من يداري مصالحه في سدة الحكم، و على إثر ذلك إنطلقت تظاهرات حاشدة في محافظات الوسط و الجنوب تأييداً لطلب السيد السيستاني بإعتماد الإنتخابات وسيلة للحكم. و بناءً على هذا الضغط و بتاريخ 12/2/2004 إلتقى رئيس فريق الأمم المتحدة إلى العراق الأخضر الإبراهيمي السيد السيستاني في مدينة النجف، و قال في تصريح لوسائل الإعلام بأن السيد السيستاني محق ٌ في طلبه لإجراء إنتخابات مباشرة، و أن فريق الأمم المتحدة يوافقه على هذا الرأي لأن الانتخابات هي الوسيلة الأنسب لحل مشكلة الشعب العراقي، و أن الفريق متفق أيضاً مع سماحته على وجوب التحضير لهذه الإنتخابات تحضيراً جيداً لكي تثمر النتائج التي يتوخاها السيد السيستاني و التي يريدها الشعب العراقي. و كذلك طالب السيد السيستاني، في بيان مكتوب، مجلس الأمن بإصدار قرار ينص على إجراء الإنتخابات العامة في العراق.
و نتيجة لكل ذلك تم تشكيل المجلس الوطني المؤقت طبقاً لملحق قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الإنتقالية الذي صدر في 1/6/2004 و الذي إنتهت مهمته بإنتخاب مجلس النواب للمرحلة الإنتقالية في 30/1/2005، الذي أعد دستور عام 2005 كأساس لحكم العراق وفق إنتخابات تشريعية كل أربع سنوات.
في إنتخابات 2014 البرلمانية، خاطب السيد السيستاني الشعب العراقي قائلاً لهم “غيِّروا الوجوه فالمُجرب لا يُجرب” من أجل إختيار وجوه جديدة لتولي الحكم بدلاً من الوجوه القديمة التي لم تثبت أي جدارة في الحكم، و قادوا البلاد نحو الأسوأ. و لكن حتى الذين تظاهروا تأييداً للسيد السيستاني في عام 2004 لإعتماد الإنتخابات وسيلة للحكم، لم يغيروا الوجوه بل أعادوا إنتخاب نفس الوجوه القديمة التي أراد السيد السيستاني تغييرها. و إستمر الشعب العراقي في اللامبالاة لمصيره بعدم إنتخاب وجوه جديدة للحكم كما أراد السيد السيستاني، حيث إزدادت مقاطعته للإنتخابات و وصلت في إنتخابات 2021 إلى 20%. و لكن في هذه الإنتخابات الأخيرة إنتفض بعض من أهالي الجنوب و خاصة الناصرية بإنتخاب وجوه جديدة من خارج الوجوه القديمة و المحسوبين عليها مما فتح الباب و لو قليلاّ للتغيير نحو الأفضل إذا إقتدى باقي الشعب بهذه الإنتفاضة.
إن ما قام به السيد السيستاني من فرض الإنتخابات كوسيلة للحكم و توجيه الناس لتغيير الوجوه التي لم تثبت جدارة في الحكم يأتي من قوله سبحانه و تعالى “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” (هود117) و عليه لا حجة في التقاعس عن المشاركة في الإصلاح.
أين الذين يقولون نحن مسلمون و على خطى السلف الصالح سائرون، ألم يسمعوا قوله سبحانه و تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ” (الصف 2-3)