إن كل الرسالات الإنسانية تعتبر نفسها صاحبة فكر وثقافة وعقيدة, وتحاول أن تغذي المجتمع بما لديها من قيم ومبادئ, لتبين أهدافها وغايات, وكسب المتأثرين لصالحها.
ألا أن هذه الحقيقة بدأت تتضاءل في عراق متعدد الأحزاب والقوى, فلم تكن هناك ثمة أهداف ومبادئ لدى أصحاب تلك الرسالات, ألا لدى من يخفُ على سنين الدهر التي يكتنفها الشوق لإعادة الماضي المجيد, فأصبح أصحاب الرسالات اليوم بعيدين عن تاريخهم ومجد رجالاتهم, الذين أسسوا تلك الكيانات التي فقدت مضمونها, ولم يكن في تفكيرها النهوض بأهداف رسالاتها, وليس لتاريخهم مجال لإعادة قراءته على الأعضاء المنتمين لهم, لان المنتمي اليوم لتلك القوى ليس كالذي انتمى بالأمس, فليس الثوابت الإصلاحية ولا المبادئ الثقافية والفكرية والعقائدية هي من جمعته, بقدر إن الغاية كسب الأصوات للحصول على المواقع والمناصب التي تعتبر قمة المجد الحالي.
إن الصراع السياسي في العراق؛ والذي تحول إلى صراع مصالح والنزوات مبني على الاختلافات الفئوية والغايات الحزبية من اجل الكراسي والنفوذ, إذ أصبحت الغاية تبرر الوسيلة, فالكل يجمع قواه من أوراق وملفات ضد الخصوم, ليس على أساس الاختلاف في الرؤى والثوابت والمتبنيات الفكرية والعقيدية, وإنما على أساس قضايا الفساد والصفقات والمشاريع الوهمية, ما يعني أن الصراع تحول في العراق إلى صراع الأضداد, حيث الكل يصارع تحت راية حزبه أو تياره, ليس من اجل النجاة إلى بر الأمان أو نيل رضا الله, أنما لأجل أن يحصل الحزب على المزيد من المناصب, والتي لم يقتنع الكثير بأداء من يتبوؤها, وبالنتيجة تكون الفائدة شخصية وليست عامة, وهذا هو ابرز أسباب الانتقام الجماهيري من أعضاء البرلمان والدرجات الخاصة, لأنهم متنعمين بالملذات وجمهورهم يكابد الويلات.
إذن (صراع سياسي ومكاسب شخصية ودمار مجتمعي) ليس على البُعد الخدمي والعمراني فحسب, إنما بسبب الابتعاد عن المبادئ والقيم, بينما طبقة الشباب ذات الاندفاع والعطاء, والتي تمثل ثلثي المجتمع, أصبحت منالها تحقيق الرغبات الدنيوية, ما جعل الكثير تنحرف وتبتعد عن جادة الصواب, ما يدل على إن المؤسسات السياسية والاجتماعية وحتى الدينية باتت عاجزة عن إنقاذ المجتمع من الدمار السلوكي, وضياع مستقبل أبناءه, بسبب فقدان الأهداف الحقيقية لرسالتها, التي جاءت أو أسست من اجلها, إذ أصبح التركيز على كسب الأصوات مع استنزاف لطاقات الطبقات المحرومة في غياهب الغرف الحزبية المظلمة, ما ولد فوارق طبقية في المجتمع, وظهور شرائح, كسياسيي الأحزاب, وشيوخ العشائر الجدد, ورجال الدين البيروقراطيين.
الأمر الذي يحتاج إلى وقفة مراجعة حقيقية وشجاعة من قبل أعمدت القوم ورجالاته, حيث الشعب يسير إلى المجهول؟؟ في خضم الإحداث العالمية المتسارعة, والاضطرابات الداخلية التي أصبحت موسمية في مجتمع يتحرك في دائرة ضيقة مفرغة.