23 ديسمبر، 2024 5:20 م

الصديق الوفي وهيمنة المنصب

الصديق الوفي وهيمنة المنصب

لقد فقد الملك المدلل ابليس عند الباري هيبته ومكانته بسبب تخليه عن صفة الوفاء لله والتي هي منطلق رائع في التعامل مع الاخرين ،فعندما نتحدث عن الوفاء نقصد بذلك التضحية والايثار والسمو فوق الكثير من المسميات وعلى وجه الخصوص الصديق الوفي الذي يقدم النصيحة ويرشد صديقه الى الطريق الصحيح ليس بدافع النفاق وانما ليميط اللثام وينفض الغبار عن الحقيقية ويقف معه في الشدائد واحلك الظروف ،وقد قال الامام علي (جزا الله الشدائد كل خيراً عرفت بها صديقي من عدوي ) فالأخ يفرض علينا من خلال الامتداد الطبيعي واما الصديق فنحن من نختاره من بين زحام ملايين البشر، فهل للوفاء اجراً مقابل ذلك ؟ وهل للتفاني في العمل والحب للاخرين ومشاركتهم افراحهم واحزانهم تسمية معينة غير تلك التي يطلقها ضعاف النفوس بانها حالة التملق للرئيس للوصول الى المبتغى المنشود والتلون كما تتلون الحرباء وتغير جلدها طبقاً لطبيعة الظروف وقسوتها ؟ هل هذا هو الوصف المناسب لمن يحترم العمل وربه كما يوقولون ولايؤخرمعاملات ولايوجل عمل اليوم لغد ويبتكر ويبدع ويستنهض الهمم في نفوس زملائه ولايحتكر لنفسه علماً هو يعلمه لان هدفه الاول والاخيرهو ان يجد رضاً لضميره كما انه يجد في ذلك هو الصح وعين الصواب ،وتلك كانت احدى محن وآهات الامام علي (ع) عندما فقد جل من حوله لأصدقائه الخلص الأوفياء الذين يقدمون الولاء والطاعة لمرؤسهم لانهم يدركون ان علي مع الحق والحق مع علي ، فقد قضى ابا ذرنحبه بعد نفيه للبرذا لأنه كان يذكر دائما بأسس العدالة والاستقامة ،وعمار استشهد في صفين وقتلته الفئة الباغية ،والمقداد ابن اسود الكندي ،وسلمان المحمدي ،ويمين علي مالك الاشتر الذي دس له السم مع العسل ،وظل وحده يعاني فراق الاحبة والاصدقاء الذين تركوا بصمات مؤثرة في قلبه طيلة مسيرة

حياته فانشد يقول (تغيرتِ المودة ُ والاخاءُ و قلَّ الصدقُ وانقطعَ الرجاءُ ،و أسلمني الزمانُ إلى صديقٍ كثيرِ الغدرِ ليس له رعاءُ ،وَرُبَّ أَخٍ وَفَيْتُ لهُ وَفِيٍّ و لكن لا يدومُ له وفاءُ ،أَخِلاَّءٌ إذا استَغْنَيْتُ عَنْهُمْ وأَعداءٌ إذا نَزَلَ البَلاَءُ ) انها محنة كل الشرفاء والاحرار فهم يبحثون دائما عن النصيروالمعين لاكمال مشروعهم الإصلاحي والنهضوي وهذا لايتحقق الأمن خلال الرجال الذين يحترمون كلمتهم على اساس الالتزام الخلقي والمبداء ،وليس على اساس المصلحة والمنفعة الشخصية ،فكثيرا مايبحث المسؤول عن الموظف الكفوء والمهني الجاد في عمله صاحب الرؤى والافكاروعندما يجده ويفتح له افاق واسعة لغرض الابداع ،تبداء المؤامرات والشائعات وسهام الانتقاص منه لتسقيطه وابعاده من دائرة المرؤس،وكأن التقرب من المديرهو حكراً على فرد اوجماعة دون اخرى،فالجواهر والقي والنفائس والثمينة لاتقدر بثمن،والصديق هوالمرآة التي تعكس الصدق والامانة،فهولايعوض بأي ثمن وكل غالي ونفيس،الا ان عدوا المناصب والامتيازات التي يجلبها الكرسي غيرت من وجه صديقي الذي تنكر لتلك الايام والليالي التي قضيناه في السراء والضراء ،حتى رقم جواله استبدله باخر،والجواب لضرورات ولدواعي امنية،واصبحت كلمة سوف وسوف …وسوف هي معياره في الوعيد،في حين كانت سابقا نظراته هي من تحاكي مانريده منه،سيزول المنصب وستنقضي الامتيازات وتذهب مهب الريح ،وسيبقى وفائي اليك حاضراً وصدري واسعاً وداري مشرعة ابوابها ،وادركت جيداً لماذا الحسين احاطت به الذئاب من حدب وصوب لانهم تنصلوا من الوفاء لرسول الله (ص) عندما اوصاهم بالمودة بالقربى ،فلو تذكروا ماقدمه الرسول الاكرم من تضحيات جسيمة وما تحمل من اذى بعد ان كانوا اذلاء تحركهم الشهوات عبيدا لدنياهم ،ونقذهم من فوضى الانحطاط والتخلف وأرشدهم لحياة حرة كريمة ،ولو كنت مسؤولا ولي

القدرة على صنع القرار لوضعت درساً يدرس في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيه ماذا تعني قيم الوفاء والتضحية ؟

وشرح التجارب والدروس والعبر المستنبطة من الوفاء لكل شعوب العالم وبمختلف هوياتهم .