19 يناير، 2025 11:28 ص

الصدر يغرّد خارج “الزرب”

الصدر يغرّد خارج “الزرب”

فوجئت يوماً وانا أدخل كازابلانكا لأوّل مرّة وبينما نحن خارجين من بوّابة مينائها البحري الرئيسي ؛ بمطبوع ملصق على أحد أبواب سيّارة “طاكسي” مكتوب فيه “لاتزرب بزّاف” .. انتابني مرح غير مفهوم وأنا أشير لرفاق السفر عن عبارة غير مرغوب لفظها لكن سرعان ما اكتشفنا أنّ “زرب” تعني إسرع بفصحى المغرب .. ضحكنا للمفاجأة وأنا أتندّر قائلاً ما أحلى أن يكتب سائقونا بفصحى المغرب عبارة شركة التأمين الوطنيّة العراقيّة الشهيرة “لا تسرع يا بابا نحن بانتظارك” ! ..

الفضلات البشريّة والّتي تسمّى بالفصحى الجنوبيّة عندنا بالزراب , هي أيضاً رمز من رموز قاموس تفسير الأحلام وتعتبر بشير خير مادّي سيعمّ على من رآه في منامه وعليه فإنّ رزقه القادم الموعود ستتحدّد بكمّيّة ما رأى ! بينما يراها المتّقون الورعون بلاء وفتن الدنيا .. لذا فإنّ “زرب” هنا عندنا في عراق اليوم السياسي أعتبره تعبير دقيق ومناسب للّذين هان عليهم وطنهم وهم في صحوهم وانحطّ قدره بنظرهم فأصبح الأمر سيان عندهم فأطماع دول خارجيّة في الوطن هي أطماعه أيضاً تحت بند “التحرير” ولأجل عرض دنيوي زائل “زربان” ما سيزول أي “سرعان” ما سيزول مهما تناول ما لذّ وطاب من سحته ومهما نكح ما يريد مثنى وثلاث ومسيار وعرفي وغلمان محلّون بأساور ومتعة وإماه على حساب ذمّته وضميره ودينه الّذي يدّعيه وتربيته البيتيّة المفروض بها تحمل قيم عليا تبعد عنه مهاوي الرذيلة واستكبار فارغ على الناس الخلق .. وقد قال إمام المتّقين وقبلة الورعين العابد الزاهد عليّ بن أبي طالب ؛ ( أتستكبر وتتمختر وقد جئت للدنيا من مخرجين ) ..

بات الّذي يدعو للدفاع عن وطنه كالسيّد الصدر , في زمن “الزراب” السياسي هذا ذو النكهة العراقيّة و”التعثّر” بفصحى المغرب ويدعو لمكافحة وباء الاحتلال إذا ما حلّ مهما كانت التبريرات ؛ بات مثل هذه الغريزة الطبيعيّة بنظر هؤلاء المفسدون من استمرأ سمعهم وبصرهم وأحشائهم ثقافة وأطماع الغرباء فاقدة للإحساس بالمواطنة ؛ مبعث استهجان وتندّر بنظر هؤلاء سسولا تتماشى مع التحضّر المزعوم ولا مع الآيباد ولا مع المجتمع الدولي المتحضّر ولا مع القرارات الدوليّة المتحضّرة ولا مع الذوق الدبلوماسي لليانكي الأمريكي المتحضّر جدّاً جدّاً .. لكن لله الحمد .. فدعوة السيّد الصدر هذه , بغضّ النظر عن دوافعها , فهي دعوة وطنيّة لا غبار عليها لدى شعوب العالم المتحضّر فعلاً , وهي دعوة تمثّل الأغلبيّة العراقيّة بجميع أطيافها في هذا الزمن الحالك الظلام والّذي يحيط بالعراق ويهدّد شعبه تهديداً مصيريّاً ؛ وكأنّ السيّد الصدر يعرّي صمت القوى السياسيّة الّتي تدّعي الوطنيّة يقول لهم متى أميركا والغرب وإيران وتركيا ودول الخليج أرادوا للعراق خيراً أو سعوا للدفاع عنه يوماً ضدّ أعداء العراق تلقاء أنفسهم وقد بات معروفاً أنّ أعداءه اليوم لا تُعرف حقيقتهم ولا حقيقة مموّلهم ولا عن حقيقة أهدافهم ..
نسبة الوطنيّة العراقيّة اليوم نقولها مع الأسف باتت تتأرجح في نفوس الكثيرين لأسباب عدّة ضاغطة أولاها الضغط الإعلامي الدولي والمحلّي بميزه الطائفيّة والعولميّة وأسباب كثيرة تضرب داخل النسيج العراقي الاجتماعي ما بالك وبيننا أصحاب نفوس مريضة وإن ادّعت الوطنيّة والدين فمثلهم شارة سيّئة وأثر رديء من آثار الانحدار وأخاديد في مسيرة العراق , لكنّها تبقى من ضمن أوسمة ونياشين تتلألأ على صدر العراق ..

أحدث المقالات

أحدث المقالات