في رحلة العودة من العمل خلال الساعات الأخيرة من ليلة الخميس وبينما ينشغل زميلي بقيادة السيارة والحديث مع زميل اخر، كانت الافكار تدور في راسي عن استراحة من اسبوع طويل وساعات لم تنته بين الكتابة والتصفح بحثا عن “الاخبار الدسمة” وتجاهلت هاتفي بعد ان اودعته في حقيبتي التي احملها دائما، لعلها تكون ليلة هادئة اغادر فيها “قلق” المتابعة بين صفحات الفيسبوك وگروبات الواتساب ووكالات الانباء، فرغبتي بالنوم مبكرا ولساعات طوال قد تتحقق هذه المرة.
تلك اللحظات التي عشتها في مخيلتي رافقني للمنزل وحال وصولي اخرجت الهاتف من حقيبتي في محاولة لالقاء عليه نظرة الوداع قبل الاستراحة الوقتية وتنفيذ المخطط التي رسمته في طريق العودة، بدأت الاخبار العاجلة تتقاطر من جميع الجهات، معلنة بان زعيم دولة القانون نوري المالكي تلقى اتصالا هاتفيا من زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، حاولت اعادة قراءة الخبر والتدقيق بمصدره الذي ظهر بانه المكتب الاعلامي للمالكي، دققت النظر جيدا، لعلها تكون “كذبة نيسان” قد جاءت مبكرا، اخترت البحث عن مصدر من التيار الصدري لانهاء حالة الشك، واذا بالمكتب الخاص لزعيم التيار يؤكد الخبر، بطريقة خجولة حينما قدم الاتصال الهاتفي بزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، على الاتصال بالمالكي، الذي اختتمه بزعيم تحالف السيادة خميس الخنجر، ليواري “سوأة فعلته”، وبعد صمت لم يتجاوز الدقيقة اصابتني نوبة من الضحك، ادهشت جميع من حولي حتى اضطررت للابتعاد قليلا لاكمال “النوبة الهستيرية” التي تذكرت خلالها حال اتباع التيار الصدري وكيف كانوا يهتفون ضد المالكي ويقسمون “باغلظ الايمان” بان السيد الصدر لن يتصالح مع المالكي الذي اذاقهم “الامرين” خلال صولة الفرسان، وتساءلت مع نفسي كيف حالهم الان مع تلك الانباء؟ وكيف سيجدون مخرجا لها في الصباح؟، فالمصيبة اكبر حينما يكون السيد الصدر هو من بادر بالاتصال وليس المالكي، لتفشل بعدها خطتي بالاستراحة واعود مجبرنا لتكملة ماتبقى من ساعات يومي بالتصفح والكتابة والاكتفاء بالقليل من النوم، فمثل تلك الاخبار تجعلك تبحث عن المواقف التي كانت قبلها وكيف تغيرت.
لكن بالعودة لسلوكيات السيد الصدر نجد مافعله ليس بالغريب، فزعيم التيار عودنا على مواقفه غير الثابتة، خاصة حينما تتعلق القضية بالبحث عن المناصب والمكتسبات، والامثلة كثيرة وذكرها يحتاج للعديد من المقالات، ولعل اقربها كانت استقبال خميس الخنجر في منزله بالحنانة بعد ان كان يصفه “بخنجر الارهاب”، هنا قد يخرج علينا من يبرر “خضوع” السيد الصدر لشروط الاطار التنسيقي بانه لا تحالف من دون المالكي، بالقول “بان مصلحة البلد تتطلب التعاون حتى مع الشيطان وسيتعمد الاستشهاد بقصة صلح الإمام الحسن بن علي بن ابي طالب مع معاوية بن ابي سفيان من اجل حقن دماء المسلمين”، وهي “حيلة” مكشوفة سيستخدمها اتباع التيار الصدري قريبا.
في حين تقول الحقيقة التي يرفض التيار الاعتراف بها، بان السيد الصدر ادرك صعوبة عبور المرحلة الحالية لعدة اسباب، ابرزها الاعتماد على مشروع وهمي يسمى “الاصلاح” في وقت تغرق العديد من قيادات تياره “بمستنقع الفساد” وممارسة دور “المليشيات” التي لا تعترف بالدولة وكيانها، واقرب مثال على ذلك ماحدث مع الناشط في تظاهرات محافظة بابل ضرغام ماجد بعد محاولته ايصال رسالة “اعتراض” لنائبة تنتمي للتيار فكان الرد بالضرب حتى الموت، وعلى الرغم من توفر جميع الادلة التي تدين حماية “الست النائبة” تجد قادة التيار يبررون “الجريمة” بالدفاع عن شرف النساء، ويحاولون حرف الانظار عن الحقيقة التي يدركها “اصحاب العقول”، فيما يشكل اعتماد زعيم التيار على حلفاء لا يمكن الثقة “بنزاهتهم” دليلا اخر على صعوبة تحقيق حلمه بالانفراد بالسلطة على طريقة “الدولة انا وانا الدولة”.
الخلاصة.. نتمنى ان لا يتوهم الكثير من القراء بان ماذكر اعلاه “ذم” لشخص السيد الصدر او مديح لشخص المالكي، ابدا.. فالطرفان لديهما مصالح يبحثان عن الاجواء المناسبة لتنفيذها في المرحلة المقبلة التي ستتوضح خيوطها خلال لقاء مرتقب سيجمعهما في العاصمة بغداد بعد يومين او اكثر بقليل، وقد تكون اولى نتائجه حرمان رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي من احلامه بالولاية الثانية التي ادرك صعوبة تحقيقها، من خلال تغريدة “الوداع” التي ابلغنا فيها بانه “ادى الواجب الذي استدعي اليه من اجل خدمة الشعب”، وبعد الاتفاق بشكل مبدئي على ترشيح جعفر الصدر لرئاسة الحكومة المقبلة، الذي جعل فيتو السيد الصدر على المالكي بالمشمش.. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. متى يدرك اتباع التيار بانهم ورقة للكسب السياسي؟..