18 نوفمبر، 2024 2:50 ص
Search
Close this search box.

الصدر مصلحاً

شكل السيد الشهيد محمد الصدر (قده) ظاهرة وعلامة فارقة في تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية عموما والنجفية خصوصا لأن الاخيرة لم تألف مثل هذا الانموذج المرجعي الالمعي والذي تحول في غضون (4) سنوات من عمر مرجعيته الشريفة الى مشروع رسالي واقعي استطاع ترجمة الوظيفة الحقيقية لموقع النيابة عن الامام المهدي(عج) من خلال السعي بالعمل الدؤوب لاستنقاذ المجتمع من دوامة الجهالة وحيرة الضلالة الى مستوى عال من الوعي الدينية والشجاعة القلبية عبر سلسلة من مراحل التنمية الايمانية التي ارتكزت على فاعلية وتفاعل المجتمع مع حركته الاصلاحية واستهدف من  خلالها الشهيد الصدر (قده) الارتقاء بالمجتمع الى مصاف الشريعة بعكس العرف السائد مع الاسف في عمل المؤسسة الدينية الكلاسيكية عموما بالنزول بالشريعة لمجاراة ومدارة العقلية الاجتماعية حتى لو كانت تلك الذهنية البشرية مرتكزة على البدع  والمستحدثات اللا شرعية كما هو الحال في العديد من الظواهر والعبادات والشعائر المختلقة .

اما الحديث عن الكيفية التي استطاع الشهيد الصدر الثاني (قده) من خلالها امتلاك زمام المبادرة لذلك التفاعل الجماهيري الكبير مع مرجعيته الشريفة والذي وصل الى حد العشق والاستعداد للفناء فهي كانت وبكل بساطة عبر الانفتاح المباشر والتواصل الحي مع جميع فئات المجتمع ويمكن الاستنتاج على ذلك من خلال مراجعة بسيطة لخطابات الجمعة المباركة والتي تظهر وبكل وضوح ان قيادة الحوزة وبعد عقود طويلة استطاعت ان تخرج من قماقمها في البروج العالية وعزلتها ومنافيها الاختيارية لتخاطب جميع الشرائح الاجتماعية والخطاب هنا ليس من خلال الوعظ والارشاد فقط وانما من خلال الرصد والتشخيص والعلاج والذي يكون أخره الكي حتى لو كان على حساب حياة الشهيد الصدر الثاني (قده) والذي كان ختامها مسكاً بنيله الشهادة على يد شرار الخلق.

الشهيد الصدر(قده) في مشروعه الرسالي حقق عدداً من الانجازات التي كانت معيارا لتقييم حركته الاصلاحية بعيدا عن العاطفة وفلسفة المتمنطقين لأن اساس تلك النتائج والانجازات كانت مبعثه شخصيته واسلوبه في تحفيز المجتمع مع خطبه وفتاواه الى الحد الذي بلغ ذلك التفاعل الاجتماعي مرحلة متقدمة جعلت الكثير من العوام يتبعون ويقلدون الشهيد الصدر عمليا من خلال الالتزام بتطبيق فتاواه بينما كانوا في الاصل ضحية للتقليد الاستصحابي التقليدي.

 ويرى المرجع محمد اليعقوبي تلميذ الصدر الابرز ومرشحه لقيادة الحوزة من بعده حسب توصيفه (قده) ( ان الشهيد الصدر استطاع ايصال صوت الهداية والايمان الى أقصى مكان وقلل الانحراف والجريمة بدرجة كبيرة خصوصا في مناطق جنوب ووسط العراق التي أقيمت فيها صلاة الجمعة المباركة آنذاك )، ولعل هذه الخصوصية تضاف الى سلسلة الانجازات والظواهر النادرة لمرجعية الصدر (قده) لان الاثار العملية هي نتاج اعجازي لحركة المرجعية الاجتماعية الصالحة خصوصا في تلك السنوات العجاف من تاريخ العراق وحالة الحصار التي ارهقت الشعب ودفعت فئات كثيرة منه الى سلوك الجريمة كوسيلة للبقاء والحياة .

ومن الانجازات الكبيرة الاخرى لحركة الشهيد الصدر (قده) الاصلاحية هي الانبعاث والإحياء للنشاط الديني في الاوساط الحوزوية والشعبية بعد سنوات من السبات الطويل أثر الانتكاسة التي منيت بها الحركة الاسلامية نتيجة فقد قائدها الصدر الاول (قده) أثر اقدام الحكم البعثي على تصفيته واخته العلوية بالاضافة الى الابادة الجماعية لكل من ثبت ارتباطه بحركته الرسالية وهروب اكثر ما تبقى من كوادر وقيادات التنظيم الدعوي ، ولقد استطاع الشهيد الصدر الثاني (قده) ان يمحوا كل اثار تلك الانتكاسة من خلال خلق مجتمع رسالي ايماني يتكون في الاعم الاغلب من الشباب المؤمن المتحمس لقيادته ومرجعيته الى حد الطاعة العمياء ولقد اثبتت الايام التي تلت استشهاد السيد الصدر(قده) شجاعة هؤلاء الاتباع وصدق ايمانهم من خلال الانتفاض ضد الحكم البعثي ثأراً لشهيد الجمعة ومن ثم الاستمرار بنفس الوتيرة من الاندفاع الايماني في عملها الرسالي بعد ذلك الى وقت سقوط الحكم البعثي .

ان هذه الانجازات هي غيض من فيض الحركة الاصلاحية للشهيد الصدر (قده) والتي كان من اهم ثمارها المباركة هي المرجعية الرسالية المتمثلة بالمرجع الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) والتي كانت نعمة الخلف لخير سلف واستطاعت مواصلة المسير على صعيد الاصلاح بآليات متعددة تتناسب مع التغير الذي شهده العراق والعراقيون بعد سقوط الحكم البعثي والذي تحقق ايضا بفضل آثار الحركة الصدرية المباركة والتي كان جزء منها هو هذا المشروع الكبير وذلك من خلال قدرة الشهيد الصدر (قده)  على نخر كيان صدام وزمرته بحيث تحول الى كيان متهالك وخاوي لم يصمد طويلا وسقط في اول صفعة وجهت له في (2003) ..

أحدث المقالات