23 ديسمبر، 2024 3:44 ص

الصدر.. مخاوف العزلة ورغبة العودة

الصدر.. مخاوف العزلة ورغبة العودة

في واحدة من الحكم القديمة التي عثرت عليها خلال تجوالي بين اقوال الحكماء وتراث الاجداد، كلمات تقول بأن “العزلة أحدى الحلول للهروب من الحياة لكن اكتمالها وهم”، فتوقفت قليلا لاستذكار المواقف ومراجعة الاحداث، فوجدتها تتطابق حرفيا مع الصراع الذي يعيشه حاليا زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بعد مرور اقل من عامين على رفعه شعار “الاعتزال” عن العمل السياسي والابتعاد عن الخصوم والحلفاء والتفرغ للعباد والقضايا الاجتماعية، من خلال اشارات غير مباشرة يحاول ارسالها لكسر “عزلته” واختيار طريق للعودة لا يكلفه المزيد من الخسارات على الاقل بالحسابات السياسية.

نعم.. فالمتتبع لخطوات زعيم التيار الصدري واخرها البيان الذي اعلن خلاله الغاء “موكب ال الصدر” المخصص للمناسبات الدينية، ودعوته لانصاره للاندماج مع بقية المواكب، “ومن دون اية مسميات” يدرك تماما حجم المخاوف التي تراود السيد مقتدى الصدر من “العزلة” وابتعاد الجميع عن تياره لاسباب عديدة ابرزها، التصرفات او الافكار التي اشاعتها بعض قياداته باعتبارهم “طائفة عقائدية” تتميز عن غيرها من “عباد الله” وتبتعد كثيرا بافكارها وحتى طقوسها عن بقية المكون “الشيعي”، تحت شعار “الفئة الناجية” كما يصورون لانفسهم، وهو ما دفع السيد مقتدى الصدر لاستخدام مصطلح (التيار الصدري الوطني الشيعي) في مقدمة بيان الغاء موكب ال الصدر، ضمن محاولة قد تكون متأخرة يحاول السيد الصدر من خلالها “تعديل” الصورة التي رسمت عن تياره بسبب سلوكيات سابقة للقيادة والاطراف التي توجه جيوشه الالكترونية والماكنة الاعلامية.
لكن.. تحركات الخروج من العزلة لا تبتعد كثيرا عن نوايا السيد مقتدى الصدر ورغبته بالعودة للعمل السياسي الذي يسعى لجعلها من بوابة المرجعية الدينية، لان حجة مغادرته للعملية السياسية في حينها كانت “تلبية” لرغبة المرجع كاظم الحائري، كما علق زعيم التيار في خطاب “التنحي” نهاية شهر اب من العام 2022، بعد المحاولة “الفاشلة” لانصاره باسقاط المنطقة الخضراء، وحتى لا نتهم بالتهويل او الابتعاد عن الواقع، فالترويج الذي رافق زيارة السيد مقتدى للمرجع الاعلى السيد علي السيستاني في منزله بداية شهر رمضان، والتي وصفها مقربون من الصدر بانها “خاصة” ولا تتعلق بمجالس دينية، بهدف ايصال رسائل محددة قد يكون مضمونها بان “التيار سيعود للعمل السياسي بمباركة المرجعية”، لرفع الحرج عن السيد مقتدى ومنح قرار العودة “صبغة” شرعية او دينية.

بالمقابل.. يحاول التيار الصدري كسب حلفاء جدد من “التجمعات” التي ترفع شعار المدنية” للدخول معها في الانتخابات المقبلة بحسب الاخبار التي تبشرنا بان السيد مقتدى الصدر حسم امره بالمشاركة فيها، من خلال قائمتين الاولى صدرية “قح” كما يرغب تسميتها قائد التيار وانصاره، وسيقود دفتها حسن العذاري باعتباره “الخادم” المطيع للسيد الصدر واخرى ستكون واجهتها مدنية تضم الحلفاء الجدد، من اجل كسب اصوات شرائح متعددة في المجتمع، لان.. زعيم التيار يعتقد بان تلك التيارات لديها قواعد شعبية ممكن الاستفادة منها بحصد المقاعد لمواجهة الاحزاب المخضرمة، لكن وبمراجعة بسيطة نحصل على حقيقة تؤكد “ضعفهم” وخسارتهم في جميع الانتخابات السابقة التي شاركوا فيها حتى ان اغلبهم لم يحصل على مقعد واحد، ولعل من يتابع المواقف المدافعة عن تحركات الصدر بمواقع التواصل الاجتماعي سيتمكن من كشف تلك الجهات “المدنية” التي لم تأخذ “العبرة” من نتيجة التحاق الحزب الشيوعي بالتيار في تحالف سائرون وبعدها تحولت مقاعده لاحضان الكتلة الصدرية.

قد يتساءل بعض القراء، عن تحالفات الصدر مع القوى السنية والكردية وهل سيتخلى عنها، الاجابة لا يمكن جزمها بشكل نهائي، لكن زعيم التيار كما تبلغنا المعلومات الواردة من الحنانة بانه سيختار بدلاء للتحالف معهم وخاصة في المكون السني، والمفاجاة، التي ستصدم بعض الاطراف، ستكون بتحالف يجمع التيار مع جهات في الاطار وقد يكون الغريم التقليدي للصدر على رأسها، مع نكهة معدلة يضيفها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للتحالف الذي سيجمعهم باكثر الاحوال بعد الانتخابات وليس قبلها.

الخلاصة:. أن السيد مقتدى الصدر ادرك أخيرا “حجم الخطأ” الذي ارتكبه بالانسحاب من العملية السياسية، وجعل تياره في خانة منفردة عن بقية مكونات البلاد، او منحهم خصوصية على حساب جمهور القوى السياسية الاخرى وخاصة الشيعية منها، فذهب لمحاولة تصحيح تلك “الاخطاء” من خلال فتح باب العودة للمنشقين الذي اغلقه سابقا من دون نقاش، ودعواته الاخيرة لانصاره في الاندماج مع بقية المكون وخاصة في المناسبات الدينية، واعلانه بشكل رسمي الخروج من كهف الاعتكاف… اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. هل اقتنع الصدر بضرورة تغيير سلوكياته، قبل العودة المرتقبة؟.