يطمح الرئيس الامريكي المثير للجدل دونالد ترامب الى اعادة التفاوض على بعض بنود خطة العمل الشاملة المشتركة ، أو ما يسمى بالاتفاق النووي الايراني ، الذي تمّ التوصل اليه بين الخمسة الدائمين في مجلس الامن ومعهم المانيا والاتحاد الاوربي وبين ايران ، واعتمد بموجب قرار مجلس الامن 2231 في 20/7/2015 ، وبعكسه ستكون الادارة الامريكية غير ملتزمة به وستنسحب منه. رد فعل ايران جاء سريعا وعلى مستوى الرئيس الايراني حسن روحاني ، بان ايران غير مستعدة لأعادة التفاوض . لغاية الآن ، تصريحات الدول التي تفاوضت على هذ الاتفاق ، طبعا باستثناء الولايات المتحدة ، هادئة وتؤكّد على أهمية الاتفاق الذي تمّ التوصل اليه بعد اثنتي عشرة سنة من المفاوضات الشاقة ، وعلى ضرورة الالتزام به باعتباره قرارا أمميا بعد أن تمّ اعتماده من مجلس الامن بموجب القرار أعلاه ، والذي صدر بموجب المادة 41 من الميثاق وهي احدى مواد الفصل السابع واجبة التطبيق على جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة .
الولايات المتحدة ملزمة بتنفيذ الاتفاق، أولا : ايفاء لتعهداتها ، وثانيا : باعتبارها واحدة من الدول التي تفاوضت عليه ، بل ربما ما كان لهذا الاتفاق ان يرى النور لولا مشاركتها في التفاوض ، وما يعظّم مسؤوليتها في الالتزام كونها واحدا من الاعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الامن . فضلا عن ذلك فانه يتوجب عليها ، استنادا الى الفقرة 11 من المرفق الخامس لخطة العمل ، أصدار أوامر تنفيذية توقف بموجبها تطبيق العقوبات ، وان يقوم الرئيس الامريكي باتخاذ الاجراءات المناسبة التي يأمر بمقتضاها اتخاذ التدابير لتنفيذ وقف العقوبات وذلك استنادا على ألف من الفقرة العاملة السابعة من القرار 2231 .
ما يثير قلق ترامب والجمهوريين من هذا الاتفاق أمران رئيسيان ، ألأول : ان الاتفاق يحدّ من انشطة ايران النووية لمدة محدودة وهي عشرة سنوات، وذلك استنادا الى الفقرة العاملة الثامنه من القرار ، بمعنى ان ايران وبحلول عام 2026 ستكون في حل من التزاماتها بموجب هذا الاتفاق . وبعد هذا التاريخ ، من الذي سيضمن عدم عودة ايران لبرنامجها النووي ! والثاني تطويرها لصواريخ بالستية بعيدة المدى يمكنها ان تهدد اسرائيل والملاحة في الخليج وبحر العرب والبحر الاحمر وبشكل يعيق التدفق الحر للنفط . هذان الأمران من ثوابت السياسة الامريكية في الشرق الاوسط وكل ما عداهما فهو شيء متحول . ولهذا ستبذل ادارة ترامب كل السبل لوقف مثل هذا التهديد الذي تعتبره قادما لا محالة في ظل نظام في ايران تعتبره الراعي الاول للأرهاب . الاّ ان الخيارات امامها ليست بالهيّنة . انسحابها من الاتفاق سيهز هيبة الولايات المتحدة دوليا، وستنحدر مصداقيتها الى مستويات غير مسبوقة في مسلسل تراجعها عن تعهداتها ، كما انه لن يقلل من قوة الاتفاق القانونية ، ولن يكون حلا ذا فائدة ، اذ سيبقى الاتفاق قائما ، الاّ اذا انسحبت ايران منه ، وايران ليست ماضية بهذا الاتجاه .
الخطوة التي سيقدم عليها ترامب وكما اعلنها هو، ان الادارة الامريكية ستتفاوض مع حلفائها من دون مشاركة ايران . بيد ان الحلفاء ليس في واردهم اعادة التفاوض على الاتفاق ، وقد اعلنوا مواقفهم بشكل واضح في هذا الصدد ، الاّ انهم أعربوا في الوقت نفسه عن قلقهم من برنامج ايران في مجال تطوير صواريخ بالستية بعيدة المدى . ولكن الى اي حد سيصمد الحلفاء امام رغبة ترامب في اعادة التفاوض ! الجواب على هذا التساؤل مرهون بقدرة الخبراء الفنيين والقانونين والدبلوماسيين المحترفين على معالجة هذا الوضع ، ربما عن طريق التوصل الى بروتوكول ملحق بالاتفاق ، او عن طريق اتفاق جديد حول برنامج الصواريخ البالستية وبشكل خاص تلك التي تملك القدرة على حمل رؤوس نووية ، أو قرار من مجلس الامن بموجب المادة 41 من الميثاق يصبّ في هذا الاتجاه ، لاسيما وان كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا ترى في هذا البرنامج انتهاكا لروح الاتفاق الذي طالب بالأمتناع عن اتخاذ اي اجراء يتنافى مع نص الاتفاق وروحه ومقصده وبما يعيق تنفيذه بنجاح . وربما تلجأ الولايات المتحدة ، في آخر المطاف ، الى خلق العراقيل بوجه تنفيذ الاتفاق مستفيدة من آلية انهاء العقوبات التي نصت عليها الفقرتين العاملتين 11 و12 من قرار مجلس الامن المذكور ، ومن الاختلاف الذي بدأ يظهر في مجموعة 5+1 على تفسير الفقرة ثالثا من المرفق باء بشأن دعوة مجلس الامن لأيران الى عدم القيام باي نشاط يتصل بالقذائف التسيارية خلال السنوات الثمانية الاولى من الاتفاق . الاّ ان العقدة الرئيسية تكمن في كيفية اقناع ايران في ظل وجود اتجاه قوي فيها يرى في الاتفاق تنازلا عن السيادة الايرانية مع ما وفّر لها هذا الاتفاق من وسائل القوّة التي أعانتها في تمددها الاقليمي ، مع تصميم ايراني قوي برفض اعادة التفاوض. امامنا خمسون يوما لنعرف مالذي ستتمخض عنه تلك الأيام ، ولكن اذا لم تتوصل الادارة الامريكية الى اقناع الحلفاء فسيكون امام ترامب امران أحلاهما مرّ ، اما الانسحاب من الاتفاق والقبول بالاثار السلبية المترتبة على هذه الخطوة ، أو الاستمرار فيه ووضع العراقيل بوجه تنفيذه.
وعليه فان الصداع النووي الايراني باق في كلا الحالتين . .