كل معارك الحكومات العراقية ضد الكورد، كانت معارك خطأ مبنية على خطابات تعبوية زائفة وكاذبة، وفي كل مرة كانت المبادرة بالحرب حامية الوطيس، لاتعرف الرحمة في ممارساتها ومآلاتها، تترك الأيتام وتزيد الثكالى والجرحى، وتستنزف الطاقات، وتهدر الثروات. وفي النهاية، تصبح حلقة في سلسلة معارك تمثل خسارة من خسارات العراق وتحلقه في فضاء الوهن والإهانة والمهانة، وتكبله في مستنقع الخيبة والندامة والتأخر. وبعد كل حرب، كانت الحكومات تدخل على مرحلة تسميها مرحلة تضميد الجراح وإزالة آثارالحروب.
الأحداث تتسارع على صعيد العلاقات بين أربيل وبغداد. والخلافات وصلت الى مراحل حرجة ومستويات خطرة، والى تضارب المصالح، وهناك إيجابيات وسلبيات، وليس أمام أربيل وبغداد سوى التحلي بالعقلانية والصبر والتشجيع على تراكم الايجابيات لعلّ وعسى أن تنزاح السلبيات التي إستمرّت أكثر مما يجب.
الكورد، ملوا من إحتدام الصراعات والحروب، ولكنهم يرفضون الوقوف كمنهزمين أمام منتصر يملي عليهم الشروط، مطالباً بالإمتثال والإذعان من دون تعقيب وفق معيار الغالب والمغلوب، ويفضلون حاسمين تبني إستراتيجية حقيقية تسهم في دفن الصراعات والكراهيات المقيتة. ويطالبون بحقوقهم وفق الدستور العراقي، ويدعون الى حوار يغير واقع الحال، ويخفف الهجمات اللفظية المتبادلة، ويمد جسور الثقة بين الطرفين بعد سنوات من الشكوك والخلافات، ويردم هوة الانقسام ويعالج الأخطاء، ويدفع باتجاه فتح الطريق للبدء بوضع حلول (شاملة وعادلة ودستورية) لجميع القضايا العالقة، ويبعدهم عن الكوارث، وهذا يدل على وجود إرادة لا تدع مجالاً للشك في امكانية تجاوز الخلافات التي أوقعت بالكوردستانيين الكثير من المظالم.
بغداد ومن دون مراعاة الدستور والقوانين الفيدرالية، تتغاضى عن مطالب حكومة إقليم كوردستان التي أعلنت أكثر من مرة عن حسن نيتها وقدمت مبادرات عدة، وتستعين بمصطلحات استفزازية وشوفينية وتحاول فرض رأيها الخاطيء وإهمال ذكر اقليم كوردستان ككيان دستوري وقانوني، وغير جادة بفتح الحوار ولا تستمتع الى الدعوات المحلية والإقليمية والدولية، وتبدو أنها مصرة على سياسة تجويع مواطني كوردستان وغلق الأبواب بوجههم، وإبعادهم من الشراكة السياسيّة في العراق. والمطلع على الأوضاع يعرف أن الهدف الاساسي من وراء الطروحات الشوفينية التي صاغها التيار المعادي للكورد، رغم تبعاتها الكارثية على الديمقراطية، هو ترجمة فعلية لصراع الإرادات والمشاريع التي ترسم الصور القاتمة في الساحة المرشحة للإنفجار وتفاقم الأخطار وعقاب جماعي لشعب كوردستان وتصعيد ضدهم بدوافع ونوازع عرقية ومذهبية مستقرة في ذهنيات وعقليات ترفض التغير والتغيير رغم المستجدات التي طرأت، وتسعى لتحويل الكورد والكوردستانيين الى مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة. أو مجرد رعايا وأتباع لا يحق لهم المشاركة في صياغة المشاريع الحساسة، أو الدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم وثروتهم الوطنية.
مشاريع عدة تتبلور في حديث السيد نيجيرفان بارزاني مع الصحفيين في أربيل في يوم (6/3/2018)، تختلف في درجة الخطاب من حيث الطرح وبيان الأهداف والمبررات، وتتوحد في الرؤية المنسجمة وغير المتأثرة بالتدخلات الداخلية والخارجية، ووضع الأسس والثوابت للتعامل مع المتغيرات، وتدل على الدبلوماسية العالية والرصيد السياسي الذي يمنح العملية السياسية في العراق وكوردستان نوعاً من قوة الدفاع عن مشروع واضح يمكن إعتباره المخرج والمنقذ للمستقبل في ظل الظروف والتعقيدات والتحديات والمتغيرات الاقليمية والدولية ومـآلاتها الخطرة، وهذا الظرف السياسي المفصلي الذي يخرج فيه الجميع إما منتصرين او منكسرين.
التجاذبات والمزايدات السياسية الشديدة التي تهدف الى إسقاط كوردستان وفرض المواقف وسلب الشرعية والصدارة عن أي دور لحكومة الإقليم وإفراغها من محتواها، ستكون بمثابة إستعجال تكريس الأمر الواقع الجديد ورفع سقف التوترات، ولي الأذرع ورمي الكوردستانيين خارج التأثير السياسي، وهذه الأمور ستحمل البعض الى موقف مضاد والسير بالجميع الى منزلقات خطيرة خاصة وأن هناك ظروف ومداخلات تفرضها متغيرات ومستجدات عدة يطول ذكرها، ويختصر دورها في الالتقاء عند نقطة محورية تسعى الى تأجيج الصراع ومنع الاستقرار والرجوع الى مربع الصفر الأمني والاستنزاف البشري والمالي. مع ذلك نسمع السيد حيدر العبادي وهو يؤكد على تطبيق الدستور.
إذا علينا أن نصدق السيد نيجيرفان بارزاني الذي يؤكد على الحوار الجريء من أجل ترسيخ عوامل الاستقرار وإعادة العلاقات الى طبيعتها، ونصدق السيد حيدر العبادي الذي يدعو الى تطبيق الدستور الذي يجسد مبدأ الشراكة في الحكم، وفي النهاية، بين التصديقين، الحوار يعني تطبيق الدستور والدستور يعني القبول بالحوار بخصوص كل القضايا والتحلي بالواقعية والإحتكام الى القانون الذي لا يقبل الإصرار والتعويل على المغالاة والأحلام والأوهام، لذلك لابد من تغليب الايجابيات على السلبيات، والإقتناع التام بأنه ليس هناك خيار آخر غير خيار الحوار والتفاهم والعودة الى لغة العقل والمنطق.