اسماؤنا تقتلنا .. تلك واحدة من مقالاته التي قتلته..
كنا واياه يوم كان محررا لاحدى الصفحات في جريدة العراق ،نجلس معه ومعنا مدير تحرير الجريدة انذاك الصحفي اللامع اكرم علي حسين ..ولطالما جمعتنا لحظات نقاش ربما مرت دقائق طويلة ،تناولت بمجملها ،احاديث الالم الوطني الذي كان يعتصرنا ومشاكل الحصار الجائر الملقاة على كاهل العراقيين وكانت تلك الهواجس جميعها ،تدفعنا معا الى تحسس خلجات الناس ونبض الشارع العراقي آنذاك ..
..كان الزمان وقتها يؤشر نهاية التسعينيات ومطلع الالفين ، زمانا صداميا لا ريب فيه ، نشعر به بالامن والامان وفي كل زاوية وشارع ..، رغم ان نقاط الفساد مؤشرة بما فيه من الاعوجاجات والسرقات ولكنها لاتصل الى بحر الفساد الاداري والمالي الذي نعيشه اليوم حيث يعبث لصوص المال العام فسادا وافسادا بكل مفردة تصل ايديهم اليه ولم تسلم منهم حتى الحصة التموينية .. فسرقات اليوم صارت في وضح النهار دون خوف او حساب ..
وكانت انتهاكات حقوق الانسان ماثلة للعيان ووقعها السيئ ترتجف منه الابدان ،لكنها قياسا الى ما يقع منها اليوم غصبا واكراها وبشتى صنوف الطغيان .تبقى حبة رمل بين رمال الشطئان .؟، كل الاجهزة القمعية في دول العالم الثالث وحتى ذاك الذي يسمي نفسه بالمتحظر ،كانت تحركها نظرية المؤامرة وترفض الاعتراف بالحريات ،حيث لا يسمع للحق فيها جانبا و ترتجف الحقيقة متأرجحة على كل لسان , إلا.. لسان موحان ..
صديقنا ..موحان الظاهر كان يجمع بين راحتي يديه قلم صحفي ودفوعات محام فنان ، وما بين عقله وشفتاه هويتان ناطقتان بالحق كانتا تجاهدان .. محام وصحفي وطني من طراز فريد يقرأ الاحداث ويتحسس تداعياتها .. ابو فرح كما كان يكنى ،رغم الحديد والنار وتهم التخابر الجاهزة والمِكيدة بالامس ،والتي انتقلت اليوم الى الُمخبر السري ، اقول: رغم كل ذلك
كان صحفيا لامعا وكاتبا ومدافعا عن المظلومين ومبدئي ثابت الجنان ، حينما تخرج من كلية الحقوق ، كان اقسم ان يدافع عن الحق وينصر المظلومين ، لهذا تراه ،لم يجد حالة مائلة وحقا ُأغتصب غصبا الا ووقف الى جانبه ،واعاد للعدالة استقامتها بصوته ورايه وقلمه.. وحينما لا يقدر على ذلك ،كان يخبر اصدقائه ،ان ما يحدث هنا وهناك في دوائر الدولة التي فقدت حرية الكلمة هو ظلم فاحش لن يقبل به احد ،وانقذ بمواقفه تلك رؤوسا ربما كادت ان يطاح بها من فوق اكتافها وتلك سمة الشجعان .. انه فتى واي فتى ..اسمه موحان
..لهذا انفرد ابو فرح غير خائف من الشرطة في دار العدالة بالمنصور ملبيا نداء مظلوم..؟ وهو يستمع الى صوت يناديه باسمه ان ادركني يا موحان …
. وحينما تبحر بمصدر الصوت وهو يرى الشرطة تحيط برجل متوسط القامة كث اللحية مكبل بالحديد ،اكتشف بحواسه جميعها ان الذي يناديه من بين القيود كان زميلا لنا وله.. هو الدكتور هاشم حسن والتهمة كانت هي رشوة موظف جوازات طريبيل للافلات من قرار منع من السفر ،كان صدر بحقه من النظام السابق ..
وقف موحان لزميله وقفة الاسد الهصور المدافع عن عرينه ..وقف وقفة رجل غير جبان ..وليس مثلما يفعلها اليوم فلان وفستان..من الذين نسوا كل الذي فعله من اجلهم..؟ ..حاولت الشرطة التي تحيط به ان تمنعه لاكنه اقنعها بهيبة هيئتة وهوية نقابة المحامين انه محام لهذا المتهم الذي يساق بين ايديهم للقاضي ..
لم يكتف بذلك فقد تطوع ابو فرح الرجل الحلاوي الشهم والشجاع دون خوف، ليبلغ جريدة الزمان المحظورة وقتها وهي لصاحبها فستان بن قمصان ،قبل ان تنحرف عن خطها الوطني وتصبح جارية من جواري حريم السلطان..؟ تطوع مدافعا عن قضية الدكتور هاشم حسن مخافة ان يذهب الى غير رجعة ،مثلما ذهب اخرون بجريرة كبرى تسبب بها لهم وشاة واخرين نهازين للفرص ،كانوا على مدار الساعة يرتشون ويجبرون المسافرين على دفع رشا وبوسائل عدة في منفذ طريبل .والحال لازال مستمرا حتى الان..
. وهكذا ظهر اسم الصحفي سجين الراي .. هاشم حسن في الصفحة الاولى من جريدة الزمان في لندن ، ورصدت الخبر كل مؤسسات حقوق الانسان والمنظمات الدولية الصحفية ما منع السلطة انذاك او الاجهزة البوليسية تحديدا على وجه الدقة من تصفيته واتخاذ اي اجراءات قسرية بحقه.. لان موحان وعلى الله المستعان ، سْرَبَ اسم المتهم هاشم حسن ،بدون استذان ، فبقي راسه آمنا فوق كتفه ..؟ وصار عميدا لكلية الاعلام حاليا ولا اعرف هل يذكر هذه الواقعة ام لف امرها النسيان..؟
هي واحدة من عشرات القصص التي اذكرها له ونحن نناقش على انفراد ما كان يدور في ذلك الزمان .. وخَلْفَ الله على ذلك الزمان, ان الصحفي يحبس تاديبا له فيها مثلما حدث مع الزميل داود الفرحان والعقوبة حبس انفرادي على كل زلة لسان..!!
مات موحان الظاهر على بوابة بيته في حي الخضراء ولطالما كنا نردد معا مقولة كانت لازالت عالقة في الاذهان من ايام اجدادنا (قاض في الجنة، وقاضيان في النار ..اما اليوم فقد زادت النسبة ..فاصبح الثلاثة سيان..
قبل يوم من استشهاد موحان كان كتب مقالته العصماء التي حملت عنوانا يساوي الف عنوان ..اسماؤنا تقتلنا في هذا الزمان وما هي الا ساعات حتى طرق الباب عليه ..رجال لاتعرف لهم اشكال والوان ..وما ان فتح الباب لهم حتى بادره اتباع الشيطان يريدون ان يخطفوه من امام داره ..فهل عرفتم الى اين وصل الامن والامان عندنا في زمن الِتليان..؟
.. سقط من سقط من زملائنا مضرجين بدمائهم ، امام النقابة ومقرات الصحف والفضائيات والاذاعات ولم تسلم منها حتى البيوت والمساجد ، وتهاوى بنيان إثر بنيان .. فهل كانت تلك خاتمة للاحزان ..ولانه قالها بملء فمه اسماؤنا تقتلنا .. قتلوا عُمراَ وعلياَ و والبسونا قميص عثمانْ ..
..
[email protected]