18 ديسمبر، 2024 8:20 م

الصحفي المتخطي للإنتماءات وخيارات الموت أو البطالة أو اللجوء !

الصحفي المتخطي للإنتماءات وخيارات الموت أو البطالة أو اللجوء !

إستوقفني كثيرا قرار القضاء الإتحادي الأمريكي بإعادة التصريح الصحفي لمراسل شبكة ( سي ان ان ) جيم أكوستا ، والذي كان قد دخل في نقاش حاد مع الرئيس دونالد ترامب ، خلال مؤتمر صحفي داخل القصر اﻷبيض ،القرار جاء وفق ما ذكرته المحطة التي يعمل لصالحها ” من أجل صحافة أمريكية حرة وقوية ومستقلة ” ، مدخلات هذا الموقف ومخرجاته فضلا عن قرار القضاء كلها جعلتني أقف مشدوها ومتسائلا في ذات الوقت ، ترى لو أن صحفيا عراقيا جادل بصوت عال ، ﻻ أقول شخص الرئيس وإنما أصغر مسؤول في الدولة العراقية وساجله بمثل ما صنع كوستا فما هو مصيره في بلاد مابين النهرين ، بل وفي بلدان الشرق اﻷوسط قاطبة وما مصير خاشقجي المؤلم منا ببعيد ؟
وبإمكاني وبحكم عملي الطويل في الصحافة المكتوبة أن أزعم بأن أشد ضحايا صاحبة الجلالة معاناة هم ” حملة لواء ” اليوتوبيا ” ضد سيف ” الديستوبيا ” المسلط على رقاب الناس بعيدا عن التحزب والانتماء بما يحلو لي تسميتهم بـ” الصحفيين الوطنيين اﻷحرار المتخطين للانتماء والتبعية ” ، هؤلاء لايعلمون يقينا ونتيجة تحررهم من القيود بعديد فوهات البنادق الموجهة الى صدورهم من كل حدب وصوب ، ذاك أن أحدهم يقدم هموم الوطن والمواطن على طائفته ، قوميته ، مذهبه ، حزبه وديدنهم في ذلك إحقاق الحق ولو على أنفسهم ولايخشون في قوله لومة لائم ماجعلهم تحت المطرقة والسندان في كل زمان ومكان !
إشكالية الصحفي الوطني الحر المتخطي للانتماءات تتمثل بكونه قلما رافضا للفساد والإفساد وإنتهاكات حقوق الانسان بكل أشكالها وصورها غير مبال بمن ينتسب لهم ولا هياب لمن ينتقدهم بصوت عال وإن كانوا من أبناء جلدته وبالتالي فإنه وأمثاله يتعرضون الى حملة إقصاء وتهميش هوجاء متواصلة ﻻتتوقف أبدا ، بل وتتعرض صحفهم ومؤسساتهم الإعلامية الى ذات التهميش ايضا حتى وجد العشرات منهم في نهاية المطاف وبين عشية وضحاها أنفسهم بلا عمل وﻻ صحف يعملون لصالحها ومن دون حقوق تذكر وهم اﻷكفاء ممن يشار الى أقلامهم بالبنان ، تلك التي مازالت بوحوش الفساد حتى روضت العشرات منها وإمتطت ظهورها وأخذت بخطامها عكسيا تجاه الوطن والمواطن والمصلحة العامة بدلا من المنافع الشخصية والحزبية الضيقة التي دأب الفاسدون والطائفيون عليها طيلة توليهم المناصب بعيدا عن هموم الشارع ومعاناته المريرة كليا أو جزئيا ، ولكن والحق يقال أنه وبرغم ترويض بعض الكواسر أو تحييدها فقد ظل بعضهم اﻵخر يشن حربا شعواء لاهوادة فيها تجاه متخطي الانتماءات وفيما نجحوا بتصفية قسم منهم إضطر القسم اﻷخر من ” اليوتوبيين” وﻻ اقول الـ” دون كيشوتيين ” إما الى ترك مهنة المتاعب – الصحافة – كليا أو الإستسلام لشبح البطالة أبديا ، أو هجر الوطن ولو بقوارب اللجوء ونهائيا .
الصحفي الوطني الحر لايمل من الكتابة عن تجار المخدرات ولو حصل على ملفات بهذا الصدد لما توانى للحظة في نشرها ما يجعله بمرمى فوهاتهم .. الصحفي الوطني الحر يكتب عن تجار اﻷدوية الفاسدة واﻷغذية التالفة التي تفتك بأرواح المئات من اﻷبرياء يوميا ولو تسنى له الحصول على وثائق وصور بشأنها فسيسارع بنشرها وباﻷسماء وبالتالي فهو هدف لهم ..الصحفي الوطني الحر ولكونه اللسان الناطق للمهمشين يريد انتخابات حرة نزيهة ﻻ شائبة تشوبها اطلاقا ولو وقع بيده مستندات تفضح جانبا من التزوير وشخوصه وفي أية محافظة عراقية ولو في تلك التي ينتسب اليها عشائريا ، مناطقيا ، مذهبيا ، قوميا ، فأنه لن يتردد هنيهة في كشفها على الملأ وبالتالي فهو محارب حتى من المقربين اليه ..الصحفي الوطني الحر يطالب بوضع حد للبضائع المستوردة وفرض رسوم جمركية عالية عليها تشجيعا للمنتج الوطني وإحياء للصناعات والمصانع المحلية وبالتالي فإنه هدف لتجار المستورد بل ولشركات المنشأ والمهربين أايضا ..الصحفي الوطني الحر يحارب عصابات الاتجار بالبشر ، يطالب بحصر السلاح بيد الدولة ، يكافح لفضح الارهاب ، يشاكس المزورين، المرتشين ، المرابين ، المختلسين ، المتلونين في كل الدوائر والمؤسسات اﻷهلية والحكومية ويكتب ضدهم صباح مساء ما جعله مطلوبا ” حيا أو ميتا ” عندهم ..يطالب بالحفاظ على الثروة الحيوانية وبالكف عن حرق البساتين وتجريف اﻷراضي الزراعية وتحويلها الى سكنية مايجعله الهدف رقم واحد لسماسرة العقارات وتجارها وبعضهم يتبع جهات متنفذة ..إنه لايفتأ يتحدث بمقالات وأعمدة وتقارير وحوارات وتحقيقات استقصائية عن تراجع مستوى التعليم وإنتشار اﻷمية اﻷبجدية والتقنية والتسرب المدرسي وعمالة اﻷطفال والعنف اﻷسري ما يضعه بنظر من يوجه سهام النقد لهم في موضع القذف والتشهير وهي تهمة – جاهزة – إعتاد الفاسدون على توجيهها للمعترضين للحد من نشاطهم وإلجام أفواههم ..إنه يطالب بمكافحة التقاليد القبلية البالية والمخالفة ﻷحكام الشريعة والقانون كـ” النهوة ، بنت العم ﻷبن العم ، النساء الفصلية ، الدكة العشائرية ، زواج الشغار او الكصة بكصة ، الثأر ..الخ ” ما يجعله هدفا لبعض المتعصبين قبليا وتحت طائلة العبارة التي سفكت من جرائها دماء وسرقت بفعلها أموال بغير وجه حق ” مطلوب عشائريا “يتم التعامل معه ..إنه يطالب بتطبيق مبادئ حقوق اﻷنسان على الجميع سواسية من غير تفرقة على أساس لون أو عرق أو دين ويتصدى لكل الانتهاكات أيا كان مصدرها وأيا كان ضحاياها ومهما كان نفوذ ومناصب مرتكبيها ما عرضه الى شتى أنواع النقد والملاحقة …انه يدافع عن العاطلين ، عن المعاقين ، عن المسنين ، عن اﻷرامل واليتامى والمساكين ، عن النازحين والمهجرين ، عن الفقراء والمحرومين ، عن المرضى الراقدين ويطالب بحقوقهم كاملة في كل المحافل المحلية والاقليمية ماجعله مصدر إزعاج حقيقي لسارقي المال العام ﻻبد من إيقافه عند حده قبل ان يتنبه الى تحذيراته المستضعفون في اﻷرض فيقلبوا عاليها سافلها ..هذه السلسلة الطويلة من التصفيات التي بدأت بنقيب الصحفيين العراقيين السابق ، شهاب التميمي ،وبمراسلة قناة العربية؛ الإعلامية أطوار بهجت، حيث قتلا في حادثين منفصلين غامضين لم تُكشَف ملابساتهما بعد،مرورا بقتل 162 صحفيًا و62 فنيًا ومساعدًا إعلاميًا، فيما اختطف 65 صحفيًا ومساعدًا إعلاميًا تم قتل أغلبهم بدم بارد ومازال 14 منهم في عداد المفقودين تعددت الجهات التي تورطت بدمائهم الزكية ، بحسب إحصاءات مرصد الحريات الصحفية ، وليس انتهاء بـرسام الكاريكاتير وكاتب الافتتاحيات ” ع.ج” الذي مات كمدا بنوبة قلبية مفاجئة بعد فصله من عمله بسبب التقشف للاسباب التي ذكرتها آنفا في محاصرة وسائل الاعلام الوطنية تمهيدا لتقليص كوادرها وصولا الى إغلاق أبوابها بالشمع اﻷحمر أو اﻷخضر ، والمصحح اللغوي ” ح.غ ” الذي توفى بدوره بجلطة دماغية لم تمهله طويلا بعد فصله من عمله ، واغتيال زميله المقوم اللغوي ” ح .أ” برصاص مجهولين بعد صلاة الفجر، ولجوء ” ي ، ع ” الى السويد بعد الاستغناء عن خدماته في صحيفته ، وهجرة ” قبس قتيبة ” آو ” ق .ق” بعد أن لم يعد له في العراق مكان عمل وهو الصحفي والمحرر ومعد الصفحات البارع إثر فقده مصدر رزقه الوحيد الذي لايجيد سواه وعبثا حاول البحث عن بديل في شمالي العراق وجنوبيه ووسطه ليكسب لقمة عيشه بعرقه وحبر قلمه الصادح بالحق ، أقول إن هذه السلسلة الطويلة بحاجة الى قوانين فاعلة وضامنة لحقوق هؤلاء وامثالهم تضمن حصولهم على المعلومة ، مقاضاة الجهات التي تفصلهم بجرة قلم وتتخلى عن جهودهم لوطنيتهم لا لقصور بأدائهم إطلاقا ، حقوق تضمن لهم رواتب نهاية الخدمة في حال تعرضت مؤسساتهم الى الإفلاس أو الإغلاق او المصادرة ، تضمن لهم عيشا هانئا في نهاية الخدمة ، لا أن يتركوا هملا بعد كل ما قدموه من تضحيات جسام مادية ومعنوية تصب بمجملها في الصالح العام .
الف تحية للصحفيين الوطنيين المتخطين للانتماء والتبعية فأنتم أمل الصحافة وبريق المواطن وسراج الوطن وشمسه لإخراج اﻷمة من هذه الغمة ، ليتنا نكون معكم وبينكم فنفوز برغم التضييق والتهميش فوزا عظيما . اودعناكم اغاتي