18 ديسمبر، 2024 11:41 م

الصحفيون يحاربون الوزراء والمسئولين الفاسدين كما يتحاربون فيما بينهم !

الصحفيون يحاربون الوزراء والمسئولين الفاسدين كما يتحاربون فيما بينهم !

ماذا يجري بين الصحفيين ونقابتهم ؟

بعين القلق وهواجس الحرص , أنظر إلى ما يعتمل الوسط الصحفي, من تناقضات وتسقيط البعض للبعض الآخر من الصحفيين, وكأن الدنيا قامت, والكارثة حلّت, بحيث من ينظر إلى واقع العلاقات فيما بين الصحفيين, يجد فرقاء متنابذين متعارضين, يتهم كل منهم الآخر, أفرادا وجماعات, باتهامات, أبرزها الاثرة والمنفعة الشخصية ,في زمن هو ليس زماننا, الذي عشنا فيه.. وقد كان لاحترام العلاقة المهنية في حياتنا, الدور الهام في صياغة علاقاتنا حتى الاجتماعية ..فكثير منا يعرف عائلة زميله, الذي يعمل في مرفق إعلامي غير مرفقه . ولطالما كان للجنة الاجتماعية في (نقابة الصحفيين) التي توليتها لفترة طويلة من الزمن, دور في أذكاء علاقات اجتماعية محترمة, تفرض على الصحفيين تمتين العلاقات المهنية ,وروابط الصداقة الحقة, بالإضافة الى ذلك الدور المشهود, للجنة المهنية في النقابة, التي كانت تضمني ومعاذ عبد الرحيم ,والشهيد شهاب التميمي, وعدد آخر من الصحفيين المخلصين لمهنتهم, الذين كانوا يعملون كخلية منسجمة ,من دون التأثر باتجاهات او سياسات بعض أعضاء المجلس الآخرين, الذين لم يرتاحوا لتلك النشاطات !.. ولهذا فقد رحل الزمن, وترك ماترك من أثاره السلبية الضارة على الأجساد والعقول ..الاّ أن الذاكرة الحية لاتزال تؤشر الكثير من الصور الجميلة ,التي أتمنى لو أن الجيل الحالي من الشباب, أبناءنا وأخوتنا, من الصحفيين يتمثلونها, في صباغة علاقاتهم المهنية والاجتماعية, بعيدا عن ذلك التنابز, الذي أشرت أليه في أكثر من مقالة, هدفها الحرص على الجسد الصحفي الذي حري بنا أن نعزّه ونمتّن معنوياته, ليتمكن من أداء دوره المهني الوطني, فإذا كان جسدنا المهني متوفرا على عوامل الصحة, سينعكس ذلك بالتأكيد على الأداء المهني المتطلب, في واحدة من أهم مراحل التأريخ السياسي في العراق .

ذاكرتي تعود إلى منتصف الأعوام الستينية من القرن الماضي, حيث كانت تجمعنا الليالي في مقرات الصحف الصادرة آنذاك ,وأتحدث بالضبط عن لقاءاتنا  دون مواعيد في مقر صحيفة ( الثورة), الكائن في منطقة ( الشيخ عمر ) في بغداد,حيث تتراءى لي الآن صور زملاء رحلوا عن عالمنا إلى العالم الآخر, وبعضهم لازالوا يعطرون دنيانا برحيق الإبداع والوفاء للعراق, حتى وأن نأت السلطة الحاكمة عنهم, وراحت تستجدي كلمة وفاق, ممن هب ودب ,في حين تترك من حمل عبء مراحل صعبة ماضية على كتفيه ,دونما اعتراف بذلك الجهد أو مكافئة له ..

في تلك الليالي وأثناء زحمة عمل سجاد الغازي مديرتحرير الجريدة اليومية الهامة ( الثورة ), التي رأس تحريرها الدكتور ياسين خليل , وزير شؤون (الوحدة ) ,كان معاذ عبد الرحيم نائبا لرئيس التحرير, ومجموعة طيبة من الرواد يمارسون دورهم المهني في إصدار الصحيفة, من بينهم المرحوم  زيد الفلاحي, الزميل النبيل الذي التقيته بعد 15 عاما في مجلس رؤساء الأقسام بجريدة ( الجمهورية ) اليومية, والمرحوم قيس لفته مراد الكاتب والشاعر والرسام الذي (أغراني) الزميل (الغازي), بأن أكتب عنه وأنشر رسوماته في صحيفة ( الأنوار ), التي كنت أحررها من الغلاف إلى الغلاف, حيث كان الشيخ المرحوم ناصر البديري صاحب امتيازها ..أنذاك كان (الغازي) يشن حملة صحفية مشددة ضد أداء المرحوم الفنان حقي الشبلي, الذي كان يتولى منصب المدير العام لمصلحة السينما والمسرح, وكانت وجهة نظر سجاد الغازي أن ( هيلمان) هذه المؤسسة لم يحقق شيئا للفنان العراقي ! وقد اقنعني الأستاذ الغازي بالاصطفاف إلى جانبه في نقد إدارة  الأستاذ الشبلي, فكانت صفحتانا أنا وسجاد تصدران تحت عنوان واحد ( أعمال مصلحة السينما والمسرح جعجعة بدون طحن ),! مما جعل المرحوم عميد المسرح العراقي ( حقي الشبلي) يبحث عني في جميع الأماكن التي يتوقع تواجدي فيها.. وكان أن وجدني في معهد الفنون ( المبنى القديم ) في ( الكسرة ), فأنهال علي معانقة وتقبيلا (أبوية ..ليش شمسويلك) ؟ ..قلت له ( أنت أستاذ الجميع )! قال بألم ( شخليتوا لأستاذ الجميع  شرشحتوني  كدام الوزير والناس)! وللتملص من الخجل الذي اعتراني وأنا بين يدي ( حقي الشبلي),تلك القامة الشامخة , قلت له ( سأزورك في الدائرة  وقل لي ماذا أنجزت وعملت لأصحح الموقف ) ! ولا أكتمكم أني كنت لائما العزيز(الغازي) الذي كانت تصويباته وتشخيصاته, ربما أفضل مني, وأنا أحث الخطى على مدارج الكلمة !

ربما ليس لما ذكرته أنفا من صلة ظاهرة بموضوعنا اليوم .ألاّ أنه بالتأكيد ذي صلة ضمنية ,تؤشر بعض مؤشرات العلاقات في الوسط الصحفي والثقافي , حيث تؤدي العلاقات الشخصية فعلها على الصعيد العام .

ولنا أن نتساءل هل إن للأمور المادية والمنفعة الشخصية والاقتراب من ذوي السلطة, دور في تلك التقاطعات والتنابذات؟  ولنأخذ مثلا نقابة الصحفيين .. ولنمر على ذلك الصراع الشللي الخفي, الذي بانت روائحه على صفحات الصحف والانترنيت , والذي يدور من اجل الوثوب إلى المراكز النقابية فيها ..لماذا يحدث ذلك ؟.. ربما يكون صحيحا في بعض جوانبه ؟ ذلك الذي يورده معارضو (اللامي) والمجلس الحالي ..فحالة الفساد والإفساد, التي تعم المجتمع الآن, بفعل المتناقض من القيم والأخلاقيات الاجتماعية, جعل بعض النفوس الضعيفة ( تترزق), على الخدمات التي يحتاجها الصحفي من نقابته, وهي حق له ينبغي أن يناله من دون ( رشوة ) أو ( واسطة) ! وهل يمكن اعتبار رقود طلبات العضوية في النقابة لسنين دون البت فيها , سببا في ذلك ؟ الآّ أننا هل ننسف كل ماحققته وتحاول تحقيقه النقابة, ونضرب به عرض الحائط ؟ لاأعتقد أن ذلك سيكون أمرا صائبا ! أن نجمل أشياء كثيرة, ونضعها تحت لافتة الاشارة إلى مفسد ما !سواء كان من أعضاء مجلس النقابة أم من موظفيها !..صحيح أننا نسمع من مصادر عديدة ,أن شخصا بعينه, يشكل المقدمة لحيازة هوية النقابة ,يمكن أن يسلم تلك الهوية  لطالبها خلال أيام ,حتى في حالة عدم تلبية طلبه لكامل الشروط لقاء مبلغ نقدي.. وغير ذلك كثير من المحاباة, في تعيين الأبناء وذوي القربى, الى جانب سوء الإدارة المالية الذي يرفعه بعض المتقولين إلى مرتبة الفساد! كما أن هناك من يقول بغلق الأبواب دون مقابلة (اللامي), على عكس ماكان يجري قبل الأنتخابات الأخيرة ! .. ولكن.. ماهو القول الفصل في كل ذلك ؟ ومن هو الحكم في إيضاح الخطأ من الصحيح ؟

ألم ينتخب الصحفيون بالإضافة إلى النقيب ومجلس النقابة أعضاء للجنة الرقابة..أو الأنضباط ؟ هذه هي مهام لجنة الرقابة, التي يمكن لها حتى إدانة النقيب, وإقامة الدعوى عليه في حالة مخالفته للنظام الداخلي للنقابة والقانون!

وإذا أردنا المرور على صلاحية نقيب الصحفيين الحالي ..ألم ينتخب من قل الهيئة العامة , بأشراف قضاة منتدبين للاشراف على الانتخابات ؟ ولماذا لم يعترض المعترضون على انتخابه ويطعنوا بالانتخابات خلال المدة القانونية المتاحة للطعن ؟ ولماذا أثيرت هذه الضجة الآن ؟ من قبل قطاع لايستهان به من الصحفيين, ولماذا لم تثار مثل هذه الضجة قبل إجراء الانتخابات؟ ليتسنى للجهات الرقابية القضائية والمهنية ,من قول كلمتها الفصل بعد التدقيق فيما يثار حول نقيب الصحفيين ومجلس النقابة ؟ وهل أن للمكاسب التي يثار أنها قد تحققت للصحفيين .(.المكافئة والأراضي), حيث اختنقت الأولى في الخلافات بين النقابة ووكيل وزارة الثقافة ,فيما تاهت الأراضي في يباب الروتين والتعتيم ؟ دور في ذلك !

واذا تركن الأمور على حالها,سيأتي اليوم الذي نجد فيه (نقابة الصحفيين), من دون ثقة الصحفيين!, وسنرى تشرذما أكثر من هذا التشرذم الذي يطال الجسم الصحفي, وسنرى تعارضا واقصاء يهمش من دور الصحفي والإعلامي, في الوقت الذي لم يتبق للعراقيين, غير قول كلمة الحق, من أجل التصويب والتقويم, لتصحيح مسارات الأجهزة التشريعية والتنفيذية ! ولاريب في أن هذا الذي يجري فيما بين الصحفيين ونقابتهم,وتلك (الشللية), التي أراها تطل بسمومها في الوسط الصحفي والإعلامي, لاتحقق أية فائدة لأي من الصحفيين, خاصة وأن الصحافة  والكلمة الحرة بدأت منذ وقت غير قصير, تهدد أوكار الفساد وألافساد, في دوائر الدولة والمجتمع, التي تتمتع بحماية بعض الأحزاب والكتل السياسية, التي تمتلك السلطة والنفوذ, في حين نجد الكلمة الحرة يتيمة من كل هذه الإمكانيات, معتمدة على صدقها والتزامها حقوق الناس المستغفلين! الا ترون أيها المتعارضون المتنابزون المتصارعون, أنكم تخاصمون اليوم ,وزراء متنفذون, ومسئولون لهم ( هيلمانهم ), وهذا دليل على متانة موقفكم, وصلابة دوركم, الذي ينبغي أن لايتشظى أو يتلاشى أو يحجم !

لقد عانى زملائكم الرواد, الكثير من الممنوع ,في زمن عملهم, تحت كل الظروف السابقة,قد فصلت أنا شخصيا عام 1969 من عملي في مجلة ( وعي العمال), لأني كتبت بما يماثل 10% مماتكتبون الآن, وقد غيبت السلطة عزيز السيد جاسم وضرغام هاشم وصباح السهل, وشردت محمد مهدي الجواهري, وسعدي يوسف ,وعبد الوهاب البياتي, وجليل العطية , وغيرهم كثير بسب من أن كلمتهم لم تعجب الحاكم ! .أليس حري بنا الحفاظ على هذه المنجزات؟ التي لم نكن نحلم بها شخصيا ؟ ولهذا تروني في سباق مع الزمن, لقول كلمتي قبل الغروب !

أن مما يحز في نفوس أخوتكم المهنيون, وهم يرون هذا التقاطع والتنابز فيما بينكم . وجميل أن نرى  من يقرأ سطوري المخلصة للمهنة هذه, والمجردة عن أية منفعة أو استئثار, أن يتنادى مع من يتصف بالحكمة والرأي السديد ,المتمتع بالعدالة والوسطية ,لقول كلمة الحق, وتشكيل هيئة حكماء تتولى الاستماع إلى الجميع ,والوصول إلى إعداد (وثيقة شرف) فيما بين الصحفيين, ومؤسساتهم المهنية المتعددة , (نفابة الصحفيين), واتحاد الصحفيين, والمرصد الصحفي, واللجان والهيئات المهنية الأخرى, حيث يمكن أن تجعل هذه الوثيقة كدستور معنوي وادبي, يحقق تذكرها والألتزام بها ,منعة ورفعة للصحافة والصحفيين, يحدد واجباتهم ومقاييس أدائهم المهني.

فهل أجد من أخوتي وأبنائي المبدعين أستجابة ؟..أنا في أنتظار ماتفعلون ؟ ولنا عودة لتناول الكثير من وجوه عمل (نقابة الصحفيين), بالصراحة وروح المسئولية, وعدم مجاملة أحد, التي تعودها منا الزملاء الأعزاء, في ضوء ماتفعلون ..مع المحبة !