18 نوفمبر، 2024 3:23 ص
Search
Close this search box.

الصحفيون .. ونهاية عهد السلوك المتحضر!!

الصحفيون .. ونهاية عهد السلوك المتحضر!!

يبدو ان السلوك المتحضر آخر من يفكر به العراقيون في التعامل اليومي ومع مفرادات حياتهم، وكأنه مجرد ترديد ببغاوي لاوجود له على أرض الواقع، وقد أكد الصحفيون العراقيون للأسف هذه الحقيقة في احتفالية نقابتهم بيوم تكريمهم خلال فترة عيد الفطر المبارك، مايؤشر خللا كبيرا بنخبة مختارة كان ينظر اليها الجميع على انها ( القدوة ) التي تمثل شعلة التطور والسلوك المتحضر، لكن ما ان إكتملت مائدة العشاء وتدافع الصحفيون عليها، حتى شعرنا اننا ما زلنا في نهاية قرون التخلف ولم نودع تلك الايام السحيقة، التي كانت تذكرنا بمخلفات البداوة في عهودها المتخلفة وليس وجوهها التي تحمل في طياتها بعض معالم السلوك المقبول إجتماعيا.

والمشكلة الأكبر ان نقابة الصحفيين التي أشرفت على هذه الاحتفالية هي التي سهلت ارتكاب مثل هذه السلوكيات غير المرغوبة، من خلال ضم مختلف الانماط الفردية من الاعضاء المنضوين تحت لواء هذه النقابة، والرقم المهوول الذي حضر الاحتفالية يؤكد خطورة الوضع الصحفي، بعد إن إندفعت هذه الجموع الغفيرة وتحت ضغط الشعور الجمعي ( الغوغائي ) لتنتهج مثل هذه السلوكيات التي لاتتفق وأبسط أشكال السلوك في حدها الأدنى، ما يعني ان الأسرة الصحفية فقت ذلك البريق الذي كانت تفتخر به على انها النخبة المثقفة ، واذا بها تهوي نحو قاع رهيب، من خلال جملة ممارسات لم تكن هذه الاحتفالية أول أشكال هذا السلوك، ولا آخره، لكنها لن تكون الاخيرة بكل تأكيد.

ولا ندري ماذا سيكون شكل السلوك المتحضر لو وزعت نقابة الصحفيين الاراضي على أعضائها، لوصل الامر فيما يبدو بينهم بالسكاكين والالات الحادة والعصي والهراوات، ونتمنى ان لا نصل الى هذه المرحلة لانها يوم عزائنا ويوم نودع آخر معالم السلوك الملتزم في أبسط أشكاله، ويدعونا للرثاء وللبكاء على الواقع المرير الذي اوصلته الاقدار بنا لكي يصل الصحفيون العراقيون او ممن حسبوا على الصحافة العراقية أن يكون سلوكهم بهذه الدرجة التي تخلو من اللياقة والاصول واحترام الذوق في ان نهجم على مائدة الطعام وكأننا في ساحة حرب او سباق ضاحية لايعلم أوله من آخره، وقد إستغرب أغلب الزملاء هذه الحالة واستهجنوا انحدار البعض وهم كثرة بالمناسبة الى هذا المصير الذي لايحسد عليه، وهو بالمناسبة ليس حال الأسرة الصحفية كلها ، ولكن حتى هذه ( القلة ) التي حركت الجموع الكبيرة التي شعرت بالمهانة ، باتجاه مائدة الطعام وخلال فترة توزيع الجوائز، فان تلك الممارسة مدانة من قبل أناس بسطاء في المجتمع وهو يرثون أن يصل مصير الصحفي العراقي الى هذا السلوك المنحدر في التعامل غير اللائق، والذي لن يتقبله الصحفيون الاصلاء من الجيل القديم الذين وجدوا في أعمال الغوغاء داخل نقابة الصحفيين اثناء توزيع الهدايا والطريقة التي تم توزيع هذه الهدايا تمثل اكبر  إهانة في تاريخ الصحافة العراقية، وانتكاسة رهيبة مريرة كادت ان تقضي على آخر أمل بأن نودع عهود التخالف والانحطاط ونبني مدنا للفضيلة وللرقي، ما يدعونا لرثاء انفسنا كي نعزيها بما وصل اليه الحال من ترد وانحدار الى هاوية لايتمناها أي انسان، الا ان عهد الديمقراطية الذي طالبنا البعض فيه ان لانوجه الانتقادات اليه كونه النجمع االلامع في صفحات العراق الجديد، وان نبقى نسبح بحمد السلطان، مثلما كنا في الماضي، واذا بنا نقع في نفس الاشكال ان من لايمجد رموز السلطة ويتبرك بانجازاتها ، فلن يكون له مكان ولن يحصل على أي منجز ، يمكن ان يشكل انتقالة نوعية في مسار الصحتافة العراقية ، والى ان نصل الى مرحلة توزيع الاراضي لاندري أي مرحلة سنصل، وربما ستندلع حروب داحس والغبراء وحرب البسوس ويتقاتل الاخوة الزملاء  ويتراشقون فيما بينهم بالحجارة وربما بالأسلحة الخفيفة وهي بالمناسبة ليست اسلحة لكنها من النوع الخفيف، ولا يستبعد البعض ان تنخفض أسعار الاحذية خلال فترة توزيع هذه الاراضي ان وجدت اصلا أو تم توزيعها.. وربما نودع آخر عهود الصحافة، ونستحي عندها ان نقول على انفسنا اننا ضمن أسرة صحفية أو نخبة مثقفة ودعت السلوك المتحضر الى غير رجعة!!

شخصيا لم أمر بأيام مهوولة كتلك التي أمضيتها في إستلام جهاز لم أستلمه حتى الان، ولم تجر علي ليلة أو نهار كذلك الذي رأيته بأم عيني في ساحة نقابة الصحفيين أو في حدائقها، في اليوم الثاني من الاحتفالية ، وكنا صائمون وقد وضعونا في حر الشمس اللاهب لأربع ساعات في وضع مزر أستمر قبل الساعة الثانية عشرة ظهرا حتى السادسة مساء دون جدوى، وما مر علي لم امر به طيلة أربعين عاما من عمري الصحفي، وشعرت عندها اني أودع آخر أمل بأن يكون لنا قيمة في آخر الزمان، بأن يتم احترام مكانة أؤلئك الذين قدموا سني عمرهم من اجل أن تبقى الكلمة دافقة منسابة تداعب الضمير والوجدان، كي نغير الآخرين نحو الأفضل، واذا بنا نهوي الى آخر نهاية القاع، في سابقة خطيرة لانتمنى تكرارها في قادم الأيام!!

لكن الشهادة الوحيدة التي لابد من ذكرها ان السيد نقيب الصحفيين بذل جهدا فوق مستوى التصور والصبرخلال فترة توزيع الجوائز، حتى نهايته، ومعه بعض الزملاء القليلين من أعضاء النقابة، لكن الطريقة التي تم بها توزيع الهدايا كانت غير لائقة تماما، ولا تتناسب مع القيمة التي يفترض ان نمنحها لزملائنا ، وكان الأحرى بإدارة النقابة ان تجد طريقة افضل بأن تعلق الاسماء على جدران النقابة منذ البداية، لكانت قد خففت من هول الفاجعة على الصحفيين، على أقل تقدير، لكن ماجرى يشكل انتكاسة بكل تأكيد ينبغي الوقوف عندها، حتى لايتجرع الصحفيون مرة أخرة مرارة الامتهان!!

أحدث المقالات