23 ديسمبر، 2024 4:30 م

الصحفيون .. وحملات التراشق الإعلامي .. وأخلاقيات المهنة

الصحفيون .. وحملات التراشق الإعلامي .. وأخلاقيات المهنة

سادت في الاوساط الصحفية مؤخرا، موجة تسقيط إعلامي للوسط الصحفي، على طريقة بعض السياسيين ،عندما يشتاط غضبه على شخصية سياسية ما أو حزب سياسي أو كتلة سياسية ليصب جام غضبه عليها، ويوجه لها مختلف سهام النقد والتجريح، حتى لم يترك ( البعض ) من كلمة نابية ، الا واطلقها، في محاولة منه لإسقاط الجهة المستهدفة أو الحط من قدرها إعلاميا ، ووجد فيها بعض العاملين في الوسط الصحفي فرصة أن ينفسوا على ما بدواخلهم، على زملاء لهم في المهنة، ويقدحونهم بأقذى الألفاظ وأكثرها سخرية امام القراء !!

كان الكثيرون ولا زالوا ينظرون الى العمل الصحفي على أنه من ارقى المهن، ويرون العاملين فيها على انهم من الطبقة المثقفة، التي كما يقال ( يحلف البعض برأسها ) لأنهم مشهود لهم بالخبرة والكفاءة، أو انهم أصبحوا تحت تأثير الصحافة والتلفزيون أناسا مشهورين، أو ممن تسلقوا أبواب المجد والشهرة ، بجدارة ، أو في غفلة من الزمان، وأصبح لهم شأن، في عالم الصحافة ، بل في عالم الصالونات السياسية، وربما كان لللبعض مهم مكانة كبيرة ، عند ( بائعات الهوى ) وهن كثر هذه الايام، وصار بمقدورهن أن يرفعن شأن ( فلان ) أو يحططن من قدر ( كبار ) في الوسط الصحفي والسياسي!!

اعود الى حملات ( التسقيط الصحفي ) لأقول ، أن ما تشهده بعض الصحف من حملات تراشق وسباب ضد هذا الصحفي أو ذاك، لاتتوائم و(أخلاق المهنة )  فالصحافة هي قيم وأخلاق في المقام الأول ، ومن ينزل الى درك ( السافلين والفارغين وممن لا شأن لهم، يسقط من هيبته أمام قرائه وجمهوره ومتابعيه، ويكون الرد احيانا من باب الأساءة الى نفسه، اكثر مما يكون دفاعا عنها ، وقد يؤدي ( الدفاع) في حالات كثيرة الى انه يريد تأكيد نفسه على انه من تلك الصفات او السمات التي حاول الآخر لصقها به، ومجرد ترديدها، يكون من حيث لايدري قد اسهم في حملة تشويه نفسه، ولو التزم ( الصمت ) وترك الآخرين يحترقون بنارهم لكان له اجدى، ولترك من يتصيد في المياه العكرة، لايجد ماء صافيا رقراقا ، يرى من خلاله فضائل الآخرين، فيترك سبابه وشتائمه، ويرد مذعورا يلعن الاقدار التي ورط نفسه في أن يكون ( لسان سوء ) يقدح به الآخرين، أو ينزل الى هكذا مستويات ( ضحلة ) من ( التسقيط الاعلامي أو السياسي) ، وكان الاجدى بمن توجه له الحملات ان يتأنى كثير قبل الرد على الآخرين والدخول في موجات تراشق اساءت الى نفسه، اكثر مما هو دافع عنها ، او حاول رد إعتباره من خلالها، لأن من يريد ان يوجه سهام الانتقاد المنحط للآخرين سوف يفتش عن اية بذاءة ليلصقها بالاخرين، عله يصل الى غرضه في تشويه سمعتهم ، او العمل على الحط من اقدارهم، ولكي يبقى ( كبيرا ) بنظر الآخرين ، عليه ان لايدخل في ( مهاترات  إعلامية او سياسية )  تؤدي به الى ان يكون ( طرفا ) يسهم هو الآخر في ترديد حملة خطط لها آخرون لكي تكون  (االعلك ) الذي ( تتعلك به الالسن ، لكي يكون بمقدورها ان يصل أسماع ( طقطقته) الى الآخرين، ويبلغ مراده في تشويه سمعتهمّ.

كانت الحملات الصاخبة في سنوات خلت من على صفحات الصحافة، تبنى على أساس توجيه سهام النقد لعمل أدبي أو أعلامي، ضعيف المستوى مثلا، أو للطريقة التي تعامل بها الأديب مع جانب من جوانب الادب والفلسفة ، فاخل بها أو لم يحسن تركيب صياغتها وفقا لمفهوم هذه النظرية الأدبية أو تلك ، ويدخل النقد في إطار ( التقويم ) وليس ( الإسقاط )  وحتى ان اراد الوصول الى هدف ( التشهير ) يحاول قدر إمكانه ان لاتخرج كتاباته ومقالاته عن الحد الادبي المسموح به، لكي لاتأخذ عليه المآخذ انه يحاول ( التشهير ) بالآخرين ، ولهذا يكون جانب نقده في زاوية من زوايا العمل الأدبي، ربما لم يحسب لها من دخل المعترك الأدبي ان يحسن ادوات صنعته، أو فاته الكثير ممن ينبغي ان يتناوله موضوعه، أو تورط في سرقة جهد آخرين، وكان النقد على هذه الشاكلة سليما لاشائبة عليه، طالما يستهدف ( التقويم ) وليس ( التشهير ) بالآخرين والحط من أقدارهم!!

إن من اولى بوادر إحترام القاريء لأي كاتب هي بمقدار رفعة كلمته وسمو أهدافها ونبلها وسعيها للارتقاء بالآخرين، أو لتحريض آخرين لدخول ميدان العمل الفلسفي الذي يفتح الآفاق ويوسع المدارك والى تبادل الرؤى والتوجهات بما يخدم المجتمع ويؤدي الى نهوضه وتطوره، حتى لو تطلب الأمر شن حملة ( شعواء ) على اي سياسي او حاكم لايتقي ربه، ولا يتعامل مع الشعب بإحترام ويحفظ هيبة شعبه وكرامته، أو ممن لم يرتق الى مستوى الطموحات والآمال وادخل شعبه في متاهات ظلم فادح وجانب الحق والعدل، عندها يكون تقويم هذا السياسي او ذاك الحاكم واجبا ، كون الصحفي يتحمل مسؤولية اخلاقية في ان ينهض بشعبه نحو الافضل، لا أن يبقى بوقا، يردد نظريات أو ( لطميات ) هذه الجهة او تلك، أو يلهث خلفها ، عله يحصل من وراء مديحه والتملق لها، على ما يشفي غليله بـ ( عظمة ) يسد بها فمه الجائع، أو يعوض عطش سنوات عجاف حرمته من ان يشبع بطنه، وهو الان يتحين الفرص، لكي يداهن هذا الطرف السياسي أو ذاك، حتى ان ( البعض ) من العاملين في الحقل الصحفي، وقد تحولوا الى ( أبواق ) بعضها لايستحي حتى من أطفاله وعائلته، عندما يظهر نفسه وقد وصل الى درجات من الانحطاط الرخيص ، عندما ( يبيع ) قلمه بـ ( ثمن بخس ) لمجرد الحصول على رضا هذه الجهة أو تلك ، أو يحصل منها على ( مغانم ) ترضي غروره ونهمه وطمعه، في أن يملأ جيبه، حتى لو كان من ( السحت الحرام)!!

هذه هي أسس بسيطة لاي عمل صحفي او مهني يتحلى بالمسؤولية الاخلاقية ، وهي دعامة النجاح لمن يريد أن يكون له ( شأن محترم) في الاوساط الشعبية ، وحتى على مستوى كبار الساسة وصانعي الأحداث، فالصحفي لايشتري ( المكانة )  بل أن الصحفي الناجح هو من تشتريه المكانة  ، لا أن ( يبيع ) قلمه ليكون الآخرين وصيا عليه يفرضون عليه مايريدون، وهو لن يصبح الا بوقا يردد ما يطلب منه، وهذا ليس عملا صحفيا، كما ان من يريد ( المكانة ) و( الشهرة) عليه ان يرتقي بقلمه الى حيث المعالي وخدمة شعبه والارتقاء به، وعليه أن يكشف حبائل  بعض السياسيين وخططهم الخبيثة ، التي يشم من ورائها ، انها لاتسعى الا الى مزيد من الإيغال في إيذاء الناس والتسلط على مقدراتهم، وتعريض حياتهم للمخاطر، فإن أتقن الصحفي ادواته، وارتقى بقلمه الى حيث الكلمة التي تنحت في الحجر ليصنع منها  مادة جميلة للبناء أو طرق على الحديد بعد أن كواه بالنار فألانه، ليوجهه بالطريقة التي يراها انها تخدم الشعب والوطن، وترفع من مكانة شعبه، بين الامم يكون عندها صحفيا مرموقا، والناس هي من تريد الوصول اليه، لا ان يريد ان يصل الى الناس، من خلال ما يود بيعه عليهم من سلع رديئة، في سوق النخاسة!!