السلطة الرابعة، أو الوزارة الخامسة، أو صاحبة الجلالة، أو مهنة المتاعب، أو الرحلة نحو الشهادة، سمها ما شئت، فكل المسميات تنطبق عليها، لكن حاملو السياط الجدد، لا يرتضون العيش تحت هذه السلطة الحرة، ليس لأنهم قد خرقوا قوانين الطبيعة، ورحلوا الآف الجثث نحو المقابر، وأشعلوا البخور رأفة بالأمهات، ولتذهب روائح الموت، بل لأن الصحافة منعتهم، في أن يرتكبوا مزيداً من الفجائع بحق الأبرياء، وأوقفت مخططاتهم لنهب ثروات أكثر وقد كشفت زيفهم وإستبدادهم ، فهم للحق والشعب كارهون.
أناس سبقوا زمانهم، وحققوا ذاتهم في ذاكرة الحروب المعطاءة، فلم يستطع الحاقدون والإرهابيون محوهم من التأريخ.
للصحافة دور كبير، للنهوض بمسؤوليتها حين قدموا القرابين الطاهرة، من أجل اعلاء كلمة الحق الشجاعة، ويقولوا للقتلة والسراق كفى، وبدى وكأنهم في رحلة حج، شارك فيها الناس من كل فج عميق، لتطوف المشاعر والدموع، حول جثامين الأبرياء من الصحفيين، الذين لا ذنب لهم إلا الدفاع عن الكلمة الصادقة لخدمة البلد، وباتت الصحافة، وكأنها الاميرة بعد أن يموت الملك، بيد أن شعار الواحد للجميع، والجميع للواحد كان هو المنتصر.
كل من كتب وأرخ زمان الحقد الداعشي الأسود، في مجازره ضد البشرية، وكذلك كشف زيف الساسة السراق والقتلة، حتى أمسى قلمه سلاحاً ناطقاً ضد الظلم والتطرف، لأن الذي يؤمن بالكلمة ومفعولها، سيترك تأريخاً لا يمحى، فلوحات قطع الرؤوس والتفجير تصبينا بخيبة أمل، وسرقة المال العام بشتى الطرق، تصيبنا هي أيضاً بالغثيان، لا لأننا لا ندرك مدى وحشية العدو أمامنا، بل لأننا سمحنا لهم بالتمدد على حساب وحدتنا وإسلامنا، فيا للعار من خير أمة أخرجت للناس، أشاعت الرعب والسرقة بدلاً من الأمن ولأمان، فأنطفأت نجوم الكلمة الحرة، ونجا السراق، بلحظات خارج مفهوم الحلم والمستحيل.
من الممكن أن يكون الإنسان ناقداً، ولكن ليس كل إنسان، يمكن أن يكون مصلحاً وحكيماً في وضعنا الراهن، لأن الذئاب هي من تحدد الحياة ومشاهدها الأخيرة، فأخذت الصحافة تتقاسم مع المغدورين الدفء والبقاء، ثم أن حرب الأكاذيب والإشاعات، التي أبتدعها الحاقدون، صنعت ما صنعت في عراقنا، لذا أدرك العاملون في مهنة المتاعب، قول المستشار الألماني بسمارك: (يكثر الكذب قبل الانتخابات، وأثناء الحرب، وبعد الصيد) فأي صيد حدث في بلد تكالبت عليه الذئاب من كل حدب وصوب؟.
إغتيال الصحفيين محطة تستحق من الإعلام الشريف، التوقف والمواجهة، فلن يكون هناك ما نعيش من أجله، إن لم نكن على إستعداد أن نموت من أجله.
ليس جيفارا أفضل منا، لكي يطالب بالسلام، بدل نوم العالم على أجساد الأبرياء، وهذا ما نحتاجه الآن في ظل موجة العنف والإغتيالات، التي طالت صحافتنا وإعلامييها، فالذي جعلني أقف عنده طويلاً، لا لغرابة مدلوله، بل لأفقه معناه، هو قول ضحايا الإعلام: نحن قرابين الكلمة الصادقة!.