23 ديسمبر، 2024 7:13 ص

الصحفيات العراقيات بين مطرقة المجتمع الذكوري وسطوة المليشات

الصحفيات العراقيات بين مطرقة المجتمع الذكوري وسطوة المليشات

لو استعرضنا جميع المؤشرات الاخيرة وتقارير منظمات حقوق الانسان التي تشير الى ان العراق من اخطر البلدان العربية في ممارسة الصحافة ومحاولات خطيرة لأحتكار حرية التعبير فقد تعرض المئات من النشطاء المدنيين واصحاب القلم الحر الى شتى انواع الترهيب والاضطهاد والقتل، فقد انعدمت كل مقاييس ومقومات حقوق الانسان في مجتمع تحكمه المليشات الطائفية من جهة وأحزاب مذهبية من ناحية اخرى
هذا ناهيك عن انعدام مقومات العيش بحياة آمنة في دولة تحكمها كل من سلطة العشائر والاحزاب الدينية الطائفية اكثر مما تقوده سلطة القانون او بالكاد يطبق فيه القانون بشكل حقيقي وملموس.
والنساء الناشطات بلا شك هم من اكثر الفئات تعرضا للاظطهاد والترهيب.
ولو استعرضنا الأحداث الاخيرة وما حصل للكاتبة العراقية افراح شوفي التي تم اختطافها من منزلها من قبل جماعات مجهولة مسلحة اقتحمت بيت منزلها تحت تهديد السلاح. أفراح اُختطفت وأخرجت من بيتها بكل سهولة تحت سطوة السلاح في وقت كانت فيه بين أفراد عائلتها ولم يتبادر لها يوما ان تصل سلطة القانون الى مستوى الهشاشة والفوضى وانتهاك الحرمات آلى هذه الدرجة من الانتقامية الظلامية !
لقد تم اختطافها نتيجة مقالة نقدية نشرتها على الانترنت انتقدت فيها ما وصفته بـ”الاستهتار” في حمل السلاح في العراق. على الرغم من ان هذا هو الواقع الحقيقي في المجتمع العراقي وعلى الرغم ان افراح كانت تعمل لمؤسسة صحفية رسمية ومعروفة جدا على مستوى الصحافة وهي صحيفة الشرق الأوسط ولكن سلطة المليشات ونقوذها لم تكن مانعا او حاجزا امام كل الإمكانيات القانونية والإدارية التي تمتلكها صحيفة الشرق الأوسط.
من جانب اخر نستذكر الصحفية والكاتبة الجريئة رنا عبد الحليم عضو اتحاد الادباء والكتاب في النجف التي جعلت من قلمها مرصاد لكل حالات الفساد من قبل اصحاب السلطة في العراق هذه الكاتبة الشابة ايضا لم تسلم مما تعرضت له من اضطهاد وتنكيل فقد تم حرق منزلها في الآونة الاخيرة في مدينة النجف ، المدينة التي تعشقها رنا فوق كل الاعتبارات الطائفية والخصخصة. فالإظطهاد الذي تعرضت له هي محاولة للنيل منها بعد نشر تعليقاتها النقدية على الفيس بوك حول تردي الوضع السياسي والامني في العراق ومدى انحلال القيم في المؤسسات الدينية ذات الأجندة السياسية التي تعمل لصالح أحزابها فقط.
رنا عبد الحليم تعرضت لمحاولات التنكيل وتشويه السمعة على الرغم من ان الجميع يعلم ان توجهها وطني وان لها ولاء للسيد مقتدى الصدر ولكن للاسف هذه المؤسسة الدينية التي تؤمن بها رنا عبد الحليم لم تقدم لها الحماية او اي دعم فكانت ضحية مجتمع تحكمه المذهبية اكثر مما تحكمه الوطنية.

وهذا يذكرنا بالناشطة النسوية السيدة ليلى الربيعي مديرة مركز الخنساء في النجف وما تعرضت له من محاولات اختطاف من قبل ميليشات مجهولة واقتحام منزلها لأكثر من مرة وإقصائها من عملها مما اضطرت آلى تغيير سكنها من النجف الى بغداد ومن بغداد آلى محافظات اخرى ولكن للاسف كانت حياتها اكثر عرضة للاستهداف مما اضطرت في نهاية المطاف الى مغادرة العراق وطلب اللجوء في هولندا. على الرغم من معظم الاعمال الخيرية التي قدمتها كانت ضمن مشاريع منظمة الاغاثة الدولية
مشوار السيدة ليلى الربيعي يذكرنا بزميلتها الأكاديمية الناشطة ملكة الحداد التي كانت هي وعائلتها هدفا لمليشيات، فقد فجرت مجموعة من المليشيات الطائفية بيت والدها في يوم لا يستطيع ان ينساه كل من هم في منطقة حي الغدير حيث استهدف التفجير منزلهم في الساعة الثانية عشر من منتص الليل.
بعدما قدمت ملكة الحداد ورش عمل عديدة لاجل المطالبة بتعديل المادة ٤١ في الدستور العراقي الجديد انها دعوة منها في تعزيز مفهوم المجتمع المدني نحو ” اسلام علماني ” بدلا من مفاهيم مذهبية ضيقة ، انها محاولات في غاية الخطورة في مدينة دينية مقدسة، مدينة تسعى وبكل الطرق ان تفرض سلطتها ونفوذها الديني حتى على قرارات الدولة والقانون العام بحكم موقعها الديني فهي تمثل عاصمة الشيعة للعالم الاسلامي ومركز الحوزة الدينية
لقد كان تحدي الناشطة ملكة الحداد من خلال تقديم العشرات من الدورات والمؤتمرات لاجل تعزيز مفاهيم فصل الدين عن الدولة واهمية ذالك على وحدة المجتمع فضلا عن مقالاتها النقدية المنشورة واستطاعت استقطاب منظمات دولية لاجل تقديم دورات تدريبية للنشطاء المدنيين في النجف مثل المنظمة الأيرلندية Front Line defenders of human rights
ومركز الخليج لحقوق الانسان ، ومنظمة اليونسيف ضمن مشروع معالجة العنف المدرسي المتفشي في المدارس. فضلا عن عملها التطوعي مع مشروع المصالحة الأميريكية العراقية. هذا وغيرها من المكاسب الانسانية التي وثقتها وسائل الاعلام
الا ان جميع تلك المنظمات للاسف لم تستطيع ان تكون درعا أمنيا لها فكانت هي الاخرى ضحية ميليشات طائفية أجبرتها لترك عملها وعائلتها.
مسلسل الاستهداف لم يتوقف ضدها حتى وهي في بلد الاغتراب فقد أصدرت وزارة التعليم العالي مؤخراً قرار يقضي بدفعها غرامة مالية قدرها ١٧١ مليون !
يبدو انها ضريبة حرية الفكر ، انها ضريبة مجتمع تسوده سطوة الاحزاب الدينية وما تحمله من اجندة تتعارض مع تطلعات نساء مدنيات يحملن الفكر الديمقراطي الحر والرأى الجرئ في كشف الحقائق.