يعد العراق سابقا من الدول العربية المتقدمة نسبيا في مجال الرعاية الصحية ، وكان ذلك بفعل تراكم جهود العاملين على مدى عقود في هذا المجال ، خاصة بعد العام ١٩٦٠ حيث تم تطوير النظام الصحي العراقي بعد ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ ، اذ تم انشاء العديد من المستشفيات في العديد من المحافظات ، وتم إنشاء مدينة الطب في بغداد عام ١٩٦١ (بعد أن إزالت الثورة اسم مستشفى المجيدية التي كانت تعود للعهد العثماني ) ، وقد عدت هذه المدينة الشامخة من المدن الطبية المتقدمة للطب السريري والتعليمي ، وكانت كلية طب بغداد من أوائل كليات الطب في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا ، وصار العراق في أوائل السبعينات من أكثر دول الشرق تناغما مع التقدم العالمي للطب ، حيث تم الأخذ بنظام الرعاية الصحية باستخدام النظام العلاجي والجراحي على نطاق واسع مستندا إلى تخصيصات معقولة من إيرادات النفط وتم التوسع باستيراد الأدوية والمعدات الطبية ، وإرسال البعثات الطبية إلى الخارج ، وتم بعد ذلك اعتماد نظام الرعاية الصحية الأولية وذلك عن طريق التوسع في نشر مراكز الرعاية الصحية الأولية ، غير أن هذا النظام أخذ بالتراجع أثناء التسعينات بعد حروب صدام ، والحصار الناتج عن تلك الحروب ، وانعكس هذا التراجع على الرعاية الصحية للأمومة والطفولة ، وتم تخفيض تخصيصات وزارة الصحة بنسبة ٩٠٪ حسب تقرير اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية ، كما وان الصراع والحروب بعد العام ٢٠٠٣ اديا بدورهما إلى تدمير ١٢٪ من المستشفيات وتدمير مختبرين مركزيين للصحة العامة ، وتراجعت التخصيصات وانتشر الفساد وصارت الأدوية والمعدات الطبية موضوعا للسرقة والنهب . وقد تغافلت الحكومات المتعاقبة تغافلا مقصودا ولأسباب معروفة عن اكمال بناء أربعة مستشفيات عامة سعة ٤٠٠ سرير أو أكثر في بغداد ، وعدد كبير من هذه المستشفيات في المحافظات ، ويطلق عليها حسب الجهة المنفذة بالمستشفى التركي والاسباني والالماني ، وغيرها من مرافق العراق الصحية ، وقد انعكس ذلك على تصدي هذا القطاع لجائحة كورونا ، إذ بلغت الإصابات أكثر من ١,٤ مليون اصابة واكثر من ١٧٠٠٠ وفاة ، ولم تكن الكابينات الوزارية تعبر أهمية للقطاع الصحي وفقا لما جاء بالفقرة اولا من المادة ٣١ من الدستور ، ولكنها ركزت على ما جاء بالفقرة ثانيا من المادة اعلاه تاركة المجال لتوسع القطاع الصحي الاهلي ودون اشراف الدولة حسب منطوق هذه المادة ، وظل القطاع الخاص يتحكم بالمرضى العراقيين من حيث التكلفة العالية ومن حيث التشجيع على السفر الطبي إلى الخارج . هذا ولا زالت المستشفيات الحكومية تعاني من نقص في عددها ، ونقص في الأسرة والمعدات الطبية ونقص دائم في الأدوية وخاصة أدوية الأمراض المزمنة ، بسبب إلفساد وقلة التخصيصات ، ولا زال المواطن الفقير يئن من ارتفاع أسعار الكشوفات الطبية وارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات أو تبايين الاسعار بين صيدلية وأخرى ، لقلة الإشراف والمتابعة الحكومية ولأن تجارة الأدوية تعود لحيتان الفساد ومسؤولين في الحكومة أو مجلس النواب.
أن الشائع أن ما يخصص لوزارة الصحة يقل بكثير عما يخصص لديوان الرئاسة او لديوان ومكتب رئيس الوزراء ، ومجلس النواب (وبسبب سؤ الخدمات الطبية في العراق يحق للنائب العلاج في الخارج وعلى نفقة الدولة ) .
ان قطاع الصحة وهو يحتفل بيومه العالمي ، شأنه شأن أي قطاع حكومي في العراق يعاني الاهمال في بناه التحتية وهذا ما تجلى في احتراق مستشفى ابن الخطيب أو مستشفى اليرموك في بغداد ، أو مستشفى الحسين في ذي قار ، أو مستشفى كربلاء العام ، وغيرها من مستشفيات القطاع العام ، في حين تمددت المستشفيات الأهلية تمددا مريبا وعلى نحو يثير الاستغراب ويحمل المواطن للشك بأن ما يجري هو عمل مبييت يراد من ورائه التحول الرأسمالي للقطاع الصحي ، على عكس الدول الرأسمالية التي بدأت تهتم بالقطاع الصحي العام بعد أن عجز القطاع الخاص عن تأدية دوره المطلوب أثناء جائحة كورونا ، كل هذه العوامل وبنظرة موضوعية حاز القطاع الصحي على اهتمام خاص واستثنائي في برنامج الحزب الشيوعي العراقي الذي تقدم به إلى المؤتمر الحادي عشر للحزب ، إذ ركز على أهمية الوقوف في وجه المخاطر الصحية التي قد تتعرض لها البلاد ، واعتماد الوسائل الحديثة في رفع مستوى الوعي الصحي للمواطنين ، داعيا إلى تقديم الخدمات الصحية مجانا ، وضمان حق المواطن في التأمين الصحي ، وتعزيز خدمات الأمومة والطفولة والصحة المدرسية، مركزا على تطوير طرق الرصد الوبائي والاهتمام الخاص بالأمراض المستوطنة والمشتركة ، مع استكمال المنظومة التشريعية الصحية ، ومن حقنا اليوم وهو يوم الصحة العالمي ، ومن حق اي مواطن أن يشعر بالرهبة أمام فتك الأمراض بالطفولة والأمومة أو الفتك الواسع للسرطان الذي جاء وتوسع بشكل غير مسبوق بعد حرب احتلال العراق عام ٢٠٠٣ ….