تجذب بعض عناوين الصحف والكتب اهتمام القارئ وتحفّزه على المطالعة، كلٌّ بحسب اختصاصه وميوله وذائقته المعرفية. ومع تغلغل التكنولوجيا في مختلف مفاصل الحياة، لم يكن عالم الصحافة – خصوصًا الورقية منها – بمنأى عن هذا التحول، ما فرض تحديات جديدة على كل من الصحافي والقارئ تستوجب التكيّف معها بطرائق مختلفة.
لا تزال لدى بعض القرّاء رغبة في المطالعة كما اعتادها الأوائل، الذين حرصوا على إيصال معارفهم ومناهجهم إلى الأجيال المتعاقبة. وهنا يُطرح تساؤل جوهري: كيف يمكن تحقيق التوازن بين طريقتين مختلفتين في تقديم المحتوى؟
أي كيف يمكن الجمع بين جيلين ومزج رؤيتهما في بوتقة واحدة تهدف إلى جذب القارئ المعاصر، وإعادة إحياء حب الاطلاع لديه، ذلك الشغف المعرفي الذي بدأ يخبو شيئًا فشيئًا في ظل إيقاع الحياة المتسارع.
من هنا، لا بدّ للصحافي الجيد أن يتحلّى بالمثابرة والقدرة على توسيع مداركه، ومواكبة الواقع الجديد الذي فرض هيمنته على الساحة الإعلامية. ومن ثم، تقع على عاتق الصحافي مهمة إيجاد نقاط التلاقي بين الأسلوبين: التقليدي والحديث، والعمل على إضفاء طابع العصرنة على المضامين الصحفية.
إن سهولة الوصول إلى المعلومات، بالإضافة إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، تُعدّ من الوسائل الحديثة التي تُمكّن الصحافي من تحقيق مستويات جيدة من الإقناع لدى القارئ. كما أن الابتعاد عن السرد الطويل الذي يتطلب وقتًا وتركيزًا – والذي لم يعُد متاحًا لدى القارئ العصري – يعد من الأمور الأساسية. فبدلاً من إعادة سرد الأحداث بأسلوب تقليدي، يجب البحث في ما وراء الحدث، والتفكير في التحليل والطرح المثير للانتباه.
ولبلوغ هذه المرحلة، لا بدّ من امتلاك أدوات معرفية ومهنية تساعد الصحافي والإعلامي على مجاراة هذا التحول الكبير. وربما يكون الاطلاع على بعض العلوم المعاصرة والتجارب العالمية المتقدمة في هذا المجال معينًا وسندًا مهمًّا في خوض هذا التحدي.
إن خلق نوع من التوازن بين الأسلوب الكلاسيكي القديم وحداثة الأسلوب الجديد، من شأنه أن يمنح الصحافة الورقية – على سبيل المثال – فرصة للمواجهة والتأقلم، بل وربما الاستمرار بفاعلية في نقل الأحداث بطريقة ترضي طرفي المعادلة: محبي الكلاسيكيات ومؤيدي الحداثة. وهكذا يمكن مجابهة هذا التحدي ليس فقط بالتكيّف معه، بل بتجاوزه والانتصار عليه، لمن امتلك العدة والقدرة والرؤية المستقبلية.
