20 ديسمبر، 2024 10:32 ص

الصحافة وأثرها في تشكيل إتجاهات الرأي العام (النموذج العراقي في المشروع الامريكي )

الصحافة وأثرها في تشكيل إتجاهات الرأي العام (النموذج العراقي في المشروع الامريكي )

للكاتب عدنان سمير دهيرب
عن المؤسسة الحديثة للكتاب في طرابلس بلبنان صدر للكاتب عدنان سمير دهيرب منجزه الجديد (الصحافة وأثرها في تشكيل اتجاهات الرأي العام) الواقع بـ 325 صفحة من القطع الكبير،وأشتمل الكتاب على أربعة فصول ومباحث عديدة تناول الباحث فيها موضوعا هاما في مرحلة من اهم المراحل التي يمر بها العراق، فقد سلط الضوء على مجمل المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وانعكاسها على الوضع الاعلامي والصحفي خصوصاً وعالج الكيفية المطلوب ان يتعامل بها العاملون في هذا الميدان والتي ينبغي التعامل بمعطياتها الميدانية ضمن واقع جديد يشهده البلد لأكثر من عقد من الزمان اذا ما اعتبرنا ان الاعلام يعد هو الوجه الاخر لشكل النظام السياسي او بمعنى ادق مرآة للنظام السياسي السائد سلبا وايجابا.

الموضوع من الاهمية بمكان نظراً لحرفيته واللغة التي كتب بها بأكاديمية عالية ولغة رصينة وتضيف هذه الدراسة او البحث الى الصحافة العراقية منذ نشوئها في العام 1869 الى العديد من الدراسات التي تناولت هذا المجال المهم في الحياة السياسية والاعلامية في البلاد منجزا مهما.

ولايخفى على المتلقي كل التداعيات التي سببتها الأختلافات الأيدولوجية للحكم في العراق منذ تأسيسه كدولة حديثة،على الاعلام بصورة مباشرة وعلى الانسان،سيما وإن الاعلام كان في مرحلة ما الوسيلة الاقوى للتأثير في قناعة الانسان وقبوله او رفضه.

لقد كانت الصحف العراقية الادبية والفكرية جديرة بالدراسة لعمق الرسالة التي حملتها منذ تأسيسها ونهضت الصحف العراقية او بعضها برسالة مميزة تميزت بمهنية وأخلاقية عالية وكانت اداة للتعبير عن الرأي.. واذكر ان المؤلف اسس جريدة بعد الاحتلال الامريكي مباشرة وكان لي الشرف ان اكون من العاملين فيها انتهجت بإدارته اسلوباً مضاداً للإحتلال ومعارضته والاشارة على انه احتلال وليس فتح كما كان يحلو لصحف عديدة ان تعده منجزا للشعب العراقي ……..(جريدة ساوة).

ان الباحث المنصف وحتى المتلقي يمكنه ان يتلمس الوسائل المهمة التي يستطيع بها ان يقيّم اداء الصحافة والصحفيين ومدى معرفة كفاءتهم وقدرتهم على إحداث التغيير وبناء الانسان بما يتناسب مع التطورات المتسارعة والتغيرات الدراماتيكية في بنية المجتمع العراقي والتي كانت اشبه بالزلازل والفوضى العارمة، ومن حسن الصدف او التدبير كانت الصحافة اول انجاز تحقق بعد سقوط النظام الشمولي واختلاق الصحف العراقية بالأكاذيب وتمرير الاحلام يعد افضل اضافة الى تحليلات دقيقة للمرحلة التي تبعت الاحتلال وكانت هناك وسائل اعلامية كثيرة اخذت جانب الجدية والموضوعية والتجرد في التعاطي مع الاحداث السياسية والانحراف الذي حصل في بنية المجتمع نحو المجهول والفوضى كما خططت له قوات الاحتلال الغاشم .

ان هذا الكتاب هو حصيلة جهد كبير بذله الكاتب وتناول فيه دراسة التجربة الديمقراطية في العراق والتحول من نظام استبدادي الى نظام تعددي وثبتت انعكاساته على بنية المجتمع العراقي وصناعة الانسان الجديد من خلال وسائل الاعلام ومنها الصحافة .

في هذا المجال احب ان اشير ان الانسان العراقي تعرض لصدمة هائلة ومرعبة ضربت اصول المجتمع العراقي وقفزت بأشخاص ليس لديهم تاريخ في السياسة او ادارة الدولة الى مقدمة السلطة، وكانت الطامة الكبرى ان الرجل المناسب ليس في المكان المناسب، وما تسبب في ذلك من اثر على عموم المجتمع وتسبب في تفشي الفساد والمحسوبية وانهيار البنية الاخلاقية..ولاننكر ان الحصار والحرب التي خاضها النظام السابق اثرت سلبا على واقع وسلوك الانسان والفقر الذي سببته الا ان الفرصة في اخذ قسط اكبر من الحرية يمكن ان يرقى الى مستوى الفوضى، بحيث صار من المستحيل السيطرة على زمام الامور،وعمل المؤسسات ومنها المؤسسات الاعلامية التي كان ينظر اليها على تصويب المسيرة وتقيم الاداء وقد عجزت الحكومة عن دعم الاعلام المستقل او تعمدت في عدم دعمه رغم ان حرية التعبير التي شرعت قوانين كثيرة لها لم ترق لمستوى الوصول الى المعلومة وعدم ملاحقة العاملين في الاعلام لأي سبب كان !!

الكتاب يعد من سياقات الدراسات ( الوسيلة والجمهور في انٍ واحد) فهو يتصدى لدراسة الصحافة العراقية في حقبة من تاريخ العراق السياسي قبل وبعد سقوط النظام …وكان من مخرجات الاحتلال الامريكي بعد انهيار المؤسسات الاعلامية للنظام السابق هو صدور موجة كبير من الاصدارات كمجال للتنفيس وتفريغ الاحتقان والضغط الذي طال العراقيين سنين عديدة ,وكانت الصحف منها المستقل ومنها الحزبي، ومنها المدعوم امريكيا قبل ان يدخل الاعلام منعطفاً خطيراً وهو التفرع للمذهبية والايدولوجية والقومية والفئوية .

لقد كانت وسائل الاعلام الحزبية المدعومة بقوة ذات الانتشار الواسع تؤثر في المتلقي البسيط وكانت برامجها ومنشوراتها على اختلاف انواعها المسموع والمقروء وسيلة ضاغطة على المواطن وزيادة حيرته. ولهذا كله يناقش الكاتب في فصول كتابه حياة الصحافة بحكم تحول المجتمع وتداعيات مرحلته واعادة بناءه ان لم تك اعادة هيكلة مجتمع بأكمله.

خرج الكاتب بنتائج عملية جديدة ومميزة استندت الى منهج علمي سليم في تعاطيه مع المعلومات النظرية او بناء استمارة الاستبيان و استعمال الوسائل الاحصائية في تحليل ومعالجة البيانات وتقسيمها وتبويبها ومن ثم الاستنتاج العلمي لبناء مثل هذه النتائج .

لقد كان الكتاب فسحة واسعة للاطلاع على النموذج العراقي في المشروع الامريكي حيث ان الاسلوب الرصين المتبع في اللغة ودقة وصف المعلومات والذي يدلل على فهم وثقافة الكاتب وامتلاكه التعبير عن الظواهر الاعلامية والسياسية التي يشهدها التاريخ المعاصر للعراق سيما مرحلة الاحتلال اظهر امكانيته بالخروج بنتائج مثمرة وليس محض بحثٍ ورقي .

مواد الكتاب تبدأ بسورة الحجرات اية (13) والاهداء كان مختصرا وشمل كل عائلة الكاتب،وقدم الدكتور عبد السلام احمد السامر عميد كلية الاعلام( سابقا ) جامعة بغداد للكتاب

وشرح قيمة المنجز واهميته الاعلامية والتاريخية للمختصين واشاد ببراعة الباحث وإمكانيته الاكاديمية واوجز الكتاب بانه وثق المرحلة الاخطر في تاريخ العراق ص9-ص13 .

مقدمة الكتاب ص15

اشار المؤلف الى التغيرات الجمة التي شهدها العراق بعد 942003 وصدور مئات الصحف مبيناً معانات ومكابدات الصحافة من عدم الحصول على حريتها الكاملة دون مقص الرقيب،موضحاً ان ذلك ترافق مع غزو عسكري واحتلال وفق المفهوم المتعارف والادهى ان الاحتلال دمر مؤسسات الدولة وغير مفاهيم مجتمعها، وهنا اشير ان الباحث تناول افرازات الاحتلال الامريكي على البنية الاجتماعية ومخرجات هذا الاحتلال (وكان الاحتلال لن ينتهي وسوف يدفع الشعب ثمنا باهظا له ).

لقد وضع المؤلف امام المتلقي وجهة نظره العلمية بما جرى من تداعيات بعد العام 2003 وتأثيرها على مجمل المجتمع سيما العمل الصحفي الذي لم يكن بالمستوى الذي يجري تغيرا جوهريا على بنية المجتمع كما اظن !

الفصل الاول ص19

ناقش المتغيرات في المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعراق من خلال ثلاث مباحث تناول فيها الكاتب ديناميكيات التحول من الاستبداد نحو الديمقراطية والاقتصاد الاحادي و استنزافه محليا وعالميا اضافة الى مناقشة التنوع الاجتماعي والثقافي والازمة المذهبية.

في مدخل الفصل الاول يستعرض الكاتب الخطط المخابراتية الامريكية والبريطانية لاحتلال العراق بدء من 31 تشرين الاول 1998 ( وهنا الاحظ ان الكاتب اغفل او تجاهل ان نظام صدام كان نظاما يشن الحروب بالنيابة بدءاً من حرب العراق وايران اضافة لحربه على الكويت واحتلالها وضمها اليه ثم سرعان ما تراجع وانسحب من المعركة بعد تدمير مؤسسته العسكرية ولولا التدخلات الخليجية ولأسباب طائفية كما يبدو لتم إسقاط النظام، لان البديل كان (شيعة العراق) الذين قادوا الانتفاضة الشعبانية في العام 1991 بعد هزيمة الجيش العراقي امام قوات التحالف وما نتج عنها من موافقة صدام على تدمير اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها وتسليم اراضي عراقية للكويت والتوقيع على الاستسلام في ورقة سفوان الشهيرة بخيمة سفوان).!!!

ص25-26

تحدث الكاتب عن المقدمات المطلوبة لمشروع الشرق الاوسط الكبير وقرارات سلطة الاحتلال الامريكية التي وقعها بريمر في ايار 2003،بالأمر رقم واحد عن سلطة الائتلاف الموحد .(هذا الموضوع ظل محل اعتراض وتأييد بين مؤيد لحل البعث وحل الكيانات الاخرى لان الكاتب يتبنى فكرة ان حل هذه الكيانات اعادة ترسيم الحدود الطائفية العراقية ذاتياً) ص27 يتحدث عن فلسفة الأمريكان لاستقطاب القاعدة من خلال مشروع مصيدة الفئران!!

في ديناميات التحول من الاستبداد نحو الديمقراطية ص29

يمر الكاتب على مراحل انشاء السلطة بتعيين مجلس الحكم في تموز 2003 وتشكيله وفق اسس طائفية وعرقية للمرة الاولى في العراق دورا بالدستور الجديد و تداعيات كتابته والحكومة المنتخبة الاولى..الحوارات بين الافرقاء وسيطرت الاحزاب الاسلامية وانشطار الاحزاب ص50 حتى الانسحاب الامريكي في 15 كانون الاول 2011 ومغادرة الجنود المحتلين ,

ويناقش الكاتب الاقتصاد الاحادي الاستنزاف المحلي والعالمي كما يسلط الباحث الاضواء على التنوع الاجتماعي والثقافي وازمة المذهبية في العراق بعد عام2003 ويعرج الكاتب على البيئة،وتشكيل الشخصية لان الانسان نتاج بيئته والمتغيرات السياسية واثره على البيئة ص85 كما يبين الازمة المجتمعية والتخندق الطائفي الذي تمحور بعد عام 2003.

في الفصل الثاني يتحدث عن البيئة الصحفية في العراق من خلال مبحثين اولهما الصحافة العراقية قبل وبعد الاحتلال الامريكي (تطور تاريخي)فيما كان المبحث الثاني عن التشريعات الاعلامية في العراق..وفي ص99 يتحدث عن تاريخ الصحافة منذ العهد العثماني ( الاحتلال العثماني والاحتلال البريطاني وصحافة الحكم الملكي وصحافة العهد الجمهوري وصفحة الخطايا الاوحد من عام 1998-2003 من صحافة العراق في عهد الاحتلال الامريكي ويستمر الباحث في تصنيف الصحف العراقية بعد عام 2003 بين حزبية وحكومية- وليبرالية وعرقية وقومية –ورياضية.

ويناقش الباحث التشريعات الاعلامية في العراق بعد عام 2003 واما دور الصحافة في تشكيل الراي العام،حيث يتناول المبحث الاول الراي العام ومفاهيمه من خلال تعاريف الراي العام وانواعها وتعريف الراي العام والعوامل المؤثرة فيه وخصائصه.

وفي المبحث الثاني الصحافة العراقية وعلاقتها بالرأي العام ص171.

هذا الفصل فيه يبذل الباحث جهدا كبيرا للحديث عن قضية الراي العام وانواعه واهميته والعوامل التي تؤثر على تغيره وتقويته ويستحضر في المراحل التاريخية التي يمر بها الراي وتجربة الدول المتقدمة الاخرى في حقل الاعلام إزاء شعوبها ونخبها الصحفية والاعلامية في تصويب الراي العام وتشكيل الراي العام من اجل التغير الايجابي في المجتمعات، ويبحث الكاتب الراي وانواع وتقسيمات الراي حسب النطاق الجغرافي وعنصر الزمن والآراء الكامنة والباطنة للفرد..كما يوضح قوة الراي العام وتأثيره والعوامل المؤثرة في تكوينه ص209 ،كما يتحدث المؤلف عن الصحافة العراقية وعلاقتها بالراي العام وبواكير الوعي السياسي ايام ثورة العشرين وظهور صحافة المعارضة كما هنالك راي عام ايام الاحتلال العثماني المقيت في ص217 .

ويتحدث الكاتب عن خصائص الراي العام العراقي ويشير الى ان خصائص الراي العام العراقي فرضت ادواراً اخرى على الصحافة والمثقفين في العراق وهذه الخصائص تتعلق بقدر كبير بالواقع الذي يعيشه الشعب العراقي والتنوع العرقي والديني والمذهبي وهذا التعدد يعد وجه الاختلاف والانقسام ص217.

كما يتناول علاقة الاحزاب في تكوين وبلورة الراي العام في المجتمع والوسائل المتبعة في جذب المثقفين والتمكن من آرائهم.

في الفصل الرابع يتحدث الكاتب عن الصحافة العراقية واثرها في تشكيل اتجاهات الراي العام ميدانيا ،من خلال مباحث اهمها اختيار اداة الدراسة والتحليل الاحصائي لفقرات الدراسة لاهم نتائج الاستمارة الموزعة،حيث يبدا بمداخل تعريفية عن عينة الدراسة الخاصة بالراي العام العراقي ص235.ومن خلال خطوات بناء اداة الدراسة –صياغة فقراتها –الصورة الاولية ثم يتحدث عن صدق اداة الدراسة واثباتها وعرض النتائج على المحكمين ص225.

ثم يتحدث عن التحليل الاحصائي لفقرات الدراسة لاهم نتائج الاستمارة الموزعة من خلال تحليل الخصائص الديموغرافية – توزيع افراد عينة الدراسة وفقا لمتغير العمر ، ويمر الكاتب على مستوى مطالعة الصحف في المجتمع العراقي وفي فترات مختلفة ونوع الصحف التي يدمن قراءتها والاسباب التي تدعوا القارئين لذلك!!ص269

كما يقدم الكاتب النسبة المحتملة وترتيب القضايا في اهتمام الجمهور القارئ والاحداث التي حدثت في البلاد منذ العام 2003 وعدد الصحف الرئيسية واهميتها من خلال استبيان واضح لقراءة الصحف,ص297.

يقدم الكاتب نصائح قيمة للصحافة والصحفيين بل والعاملين في قطاع الاعلام بدءاً من متابعة الاحداث واجراء البحوث والدراسات قدر تعلقها بالجمهور والاستفادة منها والارتقاء بالعمل المهني لكسب المهارة من خلال الدورات، والتأكيد على اهمية نمو الوعي حيث لم يعد الفرد مجرد متلق للمعلومات، وانما اصبح فاعلا وذلك يضيف صبغة ايجابية عليه فمن خلال الاستخدامات والاشباعات التي جاءت كرد على قوة وسائل الاعلام رفعت صفة السلبية عند الجمهور في اختيار وسائل الاتصال الجماهيري، كما جاء فيها ان تنوع القراء واختيار الصحف على الرغم من عددها الكبير يكشف عن الرغبة لدى الجمهور في الاطلاع وزيادة الوعي وان الجمهور يسعى لتلبية حاجاته والافادة من الصحف ايجابيا وينبغي على الصحفيين ان ينظروا اليه على انه جمهور فعال وواعي في انتقائه للصحف وقراءاته لها ,

لم يتضمن توصيات الدراسة اوفي البحث عن الاثر السيء والسلبي في المجتمع من خلال الاكاذيب التي ثبتت من خلال نشر مواضيع صحفية غير دقيقة ودخول غير مختصين في هذا العمل مما يتسبب في اخطاء جوهرية في الاداء الصحفي، كما ان الدعاية وقوة المال تلعب دوراً اساسياً في سطوة الصحف المدعومة حزبيا مما يجعل ما ننشره ذا تأثير اقوى وشيوعا اكثر.

وختاماً فقد كانت المصادر والمراجع التي استخدمت في البحث تتجاوز 30 مصدرا من عربية واجنبية تعنى بالبحث من حيث الرصانة وقوة المعلومة ومصداقيتها..

لا ادعي كمال البحث، لكنه قدم للصحافة العراقية منهاجا علميا رصينا يمكن الاعتماد عليه والعود اليه لمن ينجح في مهنة المصاعب،وقد وظف المؤلف كل الامكانيات وتمكنه من ملاقحة افكاره وقيمه بالمفاهيم العلمية والاعلامية سيما وان تجربته الثرة في الاعلام قد منحته ادوات

النجاح في بحثه الموسوم، فهو من الرواد ومن اساتذتنا جميعا سواء في المحافظة او في العراق كله.

أحدث المقالات

أحدث المقالات