23 ديسمبر، 2024 9:09 ص

الصحافة نقل الحقيقة بلا رتوش ﻻ مقبلات أخبار مع الفتوش !

الصحافة نقل الحقيقة بلا رتوش ﻻ مقبلات أخبار مع الفتوش !

صحيح أن والدي رحمه الله أصدر صحيفة في العهد الملكي حافظت على صدورها لحين إرتكاب محرر الصفحة اﻷخيرة لخطأ فادح تمثل بنشر رسم زاوج فيه بين اﻷمثال البغدادية اللاذعة وفن الكاريكاتير الساخر مستغلا مساحة الحرية الممنوحة للصحف واﻷحزاب آنذاك مستهدفا شخص رئيس الوزراء وثعلب السياسة بلا منازع ، نوري باشا السعيد ، فما كان من اﻷخير إلا أن أصدر أمرا بإغلاقها بعد أن مسح الكاريكاتير والمثل المرفق بالباشا وحكومته اﻷرض ، وكان الإغلاق كافيا كعقوبة قصوى حينئذ في عهد الملوك رحمهم الله إما رأفة بالناس حقيقة أو بزعم أنهم ديمقراطيون على وفق تعليمات – ابو ناجي – لعدم إثارة البلبلة في بلد عرف بالقلاقل والفتن منذ قرون طويلة ليتفرد البريطانيون – بشفط النفط العراقي – أيام الحرب العظمى ضد دول المحور وما أعقبها في الحرب الباردة بعيدا عن ضجيج وصخب المستعمرات التي تتطلع شعوبها الى الحرية والتخلص من نير الإستعمار من بغداد الى تطوان ، إغلاق هادئ من غير تعليق بالمراوح السقفية الرأسمالية ، وﻻ صعق بالفولتية الاشتراكية ،وﻻ نتل بالامبيرية الشيوعية ، وﻻ قلع أظافر بالمقالع الماوية ، وﻻ خلع أكتاف على الطريقة الستالينية وﻻ زرع المخبرين في كل مكان على الطريقتين الفاشية والنازية ، وغيرها من أساليب التعذيب التي إبتكرها أو إستوردها الجمهوريون بعيد سحل الملك والوصي والباشا السعيد في شوارع بغداد من الدول الغربية والشرقية لمناهضة القوى الإستعمارية ومواجهة اﻷمبريالية وترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية ولو بأحواض التيزاب الحمض نتريكية .. بزعمهم !!!
وصحيح أن عمي رحمه الله كان من الصحفيين القوميين في العهد الجمهوري يحمل من الايدولوجيات ما يناقض تلك التي يحملها أبي ، اﻻ أنني لم أكن أرغب بإتخاذ أي من الفكرين المتضادين فضلا عن السلطة الرابعة مهنة لي – هواية نعم ..حرفة لا – ولكن أنت تريد ، وأنا أريد ، والله يفعل ما يريد ، حيث وجدت نفسي محشورا كحدوة حصان بين مطرقة الصحافة الورقية بكل صنوفها ( التحرير ، الحوار ، التحقيق ، كتابة العمود ، المقال ، إعداد الصفحات ، التقارير ..) وبين سندان الصحافة اﻷلكترونية والوكالات الإخبارية رغما عن أنفي ، والصحافة في العراق لمن لايعرفها لها ميزة غير موجودة في صحافة دول العالم اللاهث المتقدمة ، بل وغير موجودة في بعض دول العالم الثالث – النائمة – أيضا ، اذ يجد الصحفي العراقي نفسه مضطرا للانتقال من الصفحة السياسية ، الى اﻷمنية ،الى الاخبار المحلية والدولية ، الى الثقافية ، فالاجتماعية ، فالدينية ،فالفنية ، فالصحية ، فالاقتصادية ،فالرياضية وصولا الى اﻷخيرة وبالتالي فلا غرو في أن يحرر أحدهم فتوى شرعية عن فضل الحجاب في الصفحة الدينية ليتحدث عن جمال “حلا شيحا ” بعد خلعها الحجاب تعبيرا عن حرية الرأي مشفوعا بصورة مثيرة لها في الفنية !!..أن ينشر فتوى عن حرمة الباربيكان في صفحة ، لينشر اعلانا ترويجيا عنها في أخرى !!..هذا التناقض والتقاطع الشيزوفريني المستساغ محليا تقليصا للكوادر العاملة وضغطا النفقات ، المستهجن دوليا حفاظا على رصانة الصحافة وتخصصها ، أحال الصحفي المحلي وأنا واحد منهم شأنه شأن المثقف العراقي الى خبير بشيء عن كل شيء ، بعيدا عن التخصص ومعرفة كل شيء عن شيء …ملكية أبي وليبراليته ، وجمهورية عمي وقوميته وكلنا كنا نعيش تحت سقف واحد في بيت – العيلة الكبير- علمني إحترام الرأي والرأي اﻵخر وإن لم أكن مقتنعا به البتة وجعلني أقف على مسافة واحدة من الملكية والجمهورية ، القومية والليبرالية من غير ذوبان وﻻ عدوان وشعاري في ذلك ” قل الحق ولو كان مرا ” ، وبما أن الصحفي العراقي – مثل الطماطة على كلشي يرهم – سبقها ان عشت بين أحضان أيدولوجيتين أو لنقل توجهين مختلفين فقد اكتشفت حجم التضاد والتنافر الفكري غير القابل للتقريب بوجود المحرضات الدائمة للتباعد ، فيما اكتشفت وأنا أحرر كل هذه الصفحات المتناقضة دفعة واحدة يوميا ولسنين خلت حجم الكوارث التي تعيشها مجتمعاتنا العربية والاسلامية ناهيك عن العالمية وفي كل مناحي الحياة ونصيحتي لكل الصحفيين هي ﻻ اشكال في ان تكون – طماطة ثقافية وموسوعية – شريطة ان تختار القدور التي تطبخ بها والاطعمة التي تتجانس معها ،والموائد التي تقدم عليها فضلا عن الافواه المراد اطعامها والعقول المبتغى تغذيتها وان ﻻتسمح لقلمك الموسوعي بأن يكون بمثابة – بندقية مستأجرة – تحت الطلب لكل من هب ودب من شذاذ الافاق لضرب او استهداف بعضهم بعضا مقابل “حفنة من الدولارات او التومانات ، اذ ان ” الاستقلالية مطلوبة ، والحفاظ على النسيج المجتمعي واللحمة الوطنية واصلاح ذات البين وتحكيم الضمير فيما تكتب وتنشر قدر المستطاع أهم من أن يشار لك بالبنان طائفيا أو مناطقيا بأصابع مغمسة بـ” عطر منشم ” ودماء الابرياء فضلا عن جيوبهم ،ثق إن أكثر – الصحفيين المتلونين – هم اؤلئك الذين يطبلون لكل نظام ويرقصون بحضرته ليلعنوا الذي سبقه وان كانوا من أتباعه المقربين ، ثم ليطبلوا للذي بعده ويلعنوا الذي طبلوا له بذات الاسلوب الرخيص ولكل اﻷنظمة وهكذا دواليك ، دينهم دنانيرهم ، وأحدهم كالمُنبَت ” المنقطع عن أصحابه في السفر” ﻻ أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ..هؤلاء لاينقلون الحقائق بل يخترعونها إختراعا من بنات افكارهم تملقا أو يزوقونها بتوجيهات كل نظام يزحفون على بطونهم كالسحالي لخطب وده وطمعا بفتات موائده غير أبهين بمهنية ولا بصحافة وﻻ مبدأ ، وبرغم أن صورهم ومقالاتهم وقصائدهم في مدح اﻷنظمة السابقة مازالت محفوظة في الذاكرة فضلا عن بطون الصحف والمجلات القديمة التي تباع على أرصفة المتنبي حاليا اﻻ ان أحدهم لم يعتذر عن نفاقه ولم يخجل من أقنعته ولن يفعل وسيظل يشتم علانية وبكل وقاحة تلك الانظمة التي مدحها ووقف على ابوابها كالمتسولين طويلا ربما من داخل المنازل والبساتين التي حازها – مكرمة – من ذات المشتومين القدامى للحصول على مكرمات الشاتمين الجدد ، ولن أثق بصحفي شتَام وﻻ مَداح يبيع قلمه ولو – بصحن فتوش – ماحييت .اودعناكم اغاتي