19 ديسمبر، 2024 7:02 ص

الصحافة في بصرة ما بعد 2003

الصحافة في بصرة ما بعد 2003

* اذا ما تجاوزنا اختلافات الرأي حول عهد البصرة الحركة الصحفية فان اول جريدة بصرية هي (البصرة) التي صدرت عام 1889 ولكن لم تنشط الحركة الصحفية الا بعد الانقلاب على العثمانيين عام 1908 . فقد صدر العدد الاول من جريدة (آتي او المستقبل ) عام 1908 وقيل في 32 تشرين الاول 1910 ومن بعدها توالي إصدار سلسة من الجرائد كان مصيرها التوقف أو الاستمرار لبعض الوقت كصحيفة إظهار الحق والإيقاظ والبصرة الفيحاء والتاج والتهذيب .

تسعى هذه المتابعة الى استقراء الخصائص الأبرز لصحافة ما بعد تغيير النظام 2003 في المدينة , استنادا على الحقائق التالية :

الحقيقة الأولى: عدم وجود صحيفة او اكثر بمثل امكانات صحف الصف الاول في بغداد.

فشبكة الإعلام العراقية مسؤولة عن الصباح البغدادية والأخبار البصرية .ومن الواضح تصور فروقات الدعم والتوزيع والفرص الإعلانية بين صحيفتين تصدران عن مصدر واحد هو مجلس الوزراء.

الحقيقة الثانية : قياسا ببغداد التي تصدر فيها عشرات الصحف اليومية وشبه اليومية فإن عدد الصحف في البصرة لا يتعدى أصابع اليد ومعظمها محدود الإمكانات ، مع ان البصرة تلي بغداد في الأهمية . وهي مدينة قارئة من الطراز الأول ومدينة كبرى من حيث عدد نفوسها ، ومن حيث ثقلها الاقتصادي والسياسي والثقافي !

قبل ايام سألني صديق سؤالا لم اجد له اجابة :

لماذا تنفرد بغداد بكثرة عدد صحفها وتنفرد البصرة بكثرة عدد مدارسها الأهلية ؟

لم اجد لتساؤل صاحبي اجابة تقنعه وتقنعني .

اجبته من باب التفكه : اقترح ان تتبادل المدينتان الخبرات ، ولو لبعض الوقت فنأخذ صحفهم ويأخذون مدارسنا الأهلية !

الحقيقة الثالثة : ان المستوى الثقافي والحرفي والأكاديمي المتواضع لعدد لايستهان به من صحفيي المدينة يشكل عقبة كبرى في إرساء دعائم صحافة يشار اليها بالبنان ، كما ان قلة الكادر السنوي( نصف المجتمع) وأحيانا ندرته في المجال الصحفي في البصرة قد أثر تأثيرا بالغا على رسم المشهد البانورامي لحياة مدينة بأكملها . وفي الواقع ان هذا الغياب المتزامن مع الحضور الذكوري الطاغي متجذران في تاريخ المجتمع العراقي ، بشكل عام والبصري ، على وجه التحديد . ولقد ارتبطت هذه الظاهرة بجملة عوامل منها ذو طابع تجاذبي بين ماهو مديني وبين ما هو عشائري قروي . وأيضا يمكن القول ان هذا التهميش ذو صلة بنظرة العراقي عامة للمرأة .

الحقيقة الرابعة : وقد تمثلت بشكل مفاجأة نسفت مجمل تصوراتي عن عدد الصحف التي صدرت في البصرة منذ انهيار النظام 2003 ولغاية الان إذ بلغ خمسا وتسعين صحيفة اضافة الى ما يزيد عن خمس وأربعين مجلة في شتى التوجهات . هذا ما اورده الدكتور ذياب فهد الطائي في كتابه الذي حمل عنوان ( تاريخ الصحافة في البصرة من 1889ــ 2009) ، ولكن الإشكالية لا تكمن في الصدور بل في الاستمرار ؛ ذلك ان اكثر من ثلثي هذه الجرائد والمجلات قد توقف لهذا السبب أو ذاك !

يقول المثل : ليس المهم الوصول إلى قمة الجبل ، بل البقاء أعلى تلك القمة !

الحقيقة الخامسة : يشكل التمويل واحدا من اهم العوامل التي تحدد تأسيس واستمرارية أي عمل مطبوع صحفي . كان ومازال تمويل الجريدة البصرية , وحتى غير البصرية , يتم عن طريق حزب من الأحزاب , او دعم من منظمة خارج او داخل القطر , او احدى الشركات التجارية , او عن طريق التمويل الفردي أي عن طريق شخص من الأشخاص يمتلك إمكانية الدعم المالي لمؤسسته الصحفية.

الحقيقة السادسة :

تظل أنواع الدعم آنفة الذكر غير قادرة على إدامة ظهور هذه الصحيفة او تلك المجلة , كما ان الدعم قد يكون قاصرا ولهذا السبب ظهرت وتظهر صحف صغرى.وجدير بالذكر ان جريدة (المنارة) تعد من الاستثناءات النادرة فقد استقطبت جل الوسطين الثقافي والسياسي للمدينة وكانت على مدار خمس سنوات من الصحف التي يمكن مقارنتها بصحف العاصمة كالصباح والمدى والصباح الجديد , وان كان انتشارها اقل نسبيا , ما جعلها تعتمد على الإعلانات لغرض إدامة صدورها، قبل ان تتوقف في 2009 اثر رحيل مؤسسها المرحوم الدكتور خلف المنشدي .

خلاصة القول :

الواقع المتواضع للحركة الصحفية في البصرة بحاجة الى علاجات جذرية يأتي في مطلعها إنشاء كلية للصحافة والأعلام من أهدافها تخريج فئات من الشباب تجمع ما بين الكفاءة والمهنية والإمتلاء الثقافي المعرفي .

والبصرة في حاجة الى اكثر من صحيفة ومجلة متعددة الصفحات تستقطب أقلام كتاب البصرة ومثقفيها وعلمائها شأنها شأن تجربة المنارة التي تركت بصمة لاتنسى في تاريخ الصحافة على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية.

خلاصة القول ان الصحافة شكل من إشكال الصناعة وهو ما نجده في صحف العالم الشهيرة , فإن التمويل واستقلالية المطبوع والمصداقية هي أضلاع في مثلث اسمه صاحبة الجلالة : الصحافة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات