23 ديسمبر، 2024 4:53 ص

الصحافة بين الماضي والحاضر

الصحافة بين الماضي والحاضر

الصحافة هي مرآة الأمة  لكشف حالات الضعف والفساد في مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهي الفضاء الواسع والوسيلة المؤثرة في التغير وشحن الهمم وتحريك غرائز الناس والتأثير عليهم ضد الظلم من خلال ما تعبر عنه  باسلوب يستطيع ان يولج الى عقول الناس والارتقاء بهم , وقد لعبت دورا رياديا في النهوض وانتشار الافكار واتساع حركة النهضة وبسطت همينتها الثقافية في استقطاب العديد من المثقفين واحتضنت نخبة كبيرة من الرواد خلال نشر افكارهم ومعتقداتهم واتاحة لهم حرية التعبير بطلاقة , وكانت دولة مصر الحاضنة الاولى للثقافة وتميزت بظهور اول صحيفه في الوطن العربي عام 1828 وهي جريدة الوقائع المصرية ولازالت مستمرة بالنشر وتهتم بكافة المواضيع دون التركيز على حقل واحد , وقد ساعدت الحملة الفرنسية على مصر  بظهور اول جريدة باللغة الفرنسية وأدخلت الطباعة اثناء الاحتلال الفرنسي لمصر عام 1798 م , في الوقت الذي استفاد المصريين من تلك الحملة لانها كانت مصحوبة بعدد كبير من العلماء وحلت رموز الخط الاهيروغليفي   اسهمت بأهمية موقع مصر الجغرافي وظهور حركة اصلاحات انعكست على الواقع السياسي والاقتصادي لمصر , في الوقت الذي شهدت بلدان تخريب وحرق للكثير من مواقع العلم والمعرفة حتى اصبحت لسنين عديدة تعاني من الاهمال وسادتها فترات مظلمة وتخلف لم تنجح في التخلص من رواسب واثار الاحتلال, كما ساهمت الصحف في مصر على ظهور نشطاء وقادة سياسين ساهموا بالوقوف ضد الاستعمار وفضح نوايهم امثال مصطفى كامل الذي اخذ ينشر افكاره في جريدة اللواء الصادرة عام 1891 ويحارب من اجل المحافظة على اللغة العربية ونشر التعليم على اسس وطنية ثابته , ولايختلف الامر في المغرب العربي على اصدار اول جريدة اسمها (المغرب عام 1889 ) لصاحبها عيس فرج ,وكذك اول جريدة في تونس صدرت باسم (الرائد التونسي عام 1860) اهتمت بالثقافة والمحافظة على الارث العربي وهي مستمرة باسم الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ثم صدرت جريدة بعد الاستعمار الفرنسي (جريدة الحاضرة عام 1888) واستمرت لغاية 1911 وقد تحدثت عن مساوىء الاستعمار الفرنسي وكان لها دور في تعبئة الرأي العام التونسي للكثير من الانتفاضات , واول مجلة في الكويت أسمها الكويت عام 1928 ولااريد اعرج على كافة الصحف الموجودة في الدول العربية واكتفِ بهذا القدر , اما في العراق فالوضع يختلف لان الاستعمار العثماني لم يشجع على الثقافة والتعليم والصحة وجعلها من مسؤولية الشعب من اجل ان لاينهض كي يعم فيه التخلف والفوضى ولايستطيع ان يلحق بركب التقدم وزدادت المعاناة الا في فترة  الوالي مدحت باشا الذي كان يعمل في اوربا قبل مجيئه الى بغداد , وما قام به من اعمال  يفوق الولاة قبله , وشهد تطورا في تلك الفترة ولازالت اعماله تزين صفحات من كتب التاريخ بما قدمه من انجازات , وهو اول من اسس جريدة الزوراء سنة 1869 واهتم بالمشاريع الخدمية , واسس منتديات واستقطب جميع المثقفين ,كما صدرت في عام 1875 الجريدة الثانية الموصل وصدرت جريدة اخرى في عام 1889 جريدة البصرة  وبعد اصدار الدستور العثماني عام 1908 ولغاية 1914 صدرت اكثر من 40 جريدة  وكانت تهتم بالفنون والمقالات الادبية وقسما منها لم تستمر طويلا , واثناء فترة الاحتلال البريطاني للعراق عام 1917 اسس البريطانيين جريدة وسمحوا الى العراقيين بالنشر فيها مقابل مكافأت مادية وربما اردوا بذلك معرفة مايدور من افكار وخطط في عقول الشعب وكشف المحرضين والحركات السرية , وكان لدور الصحافة كبير ومهم في تعبئة الجماهير والعشائر العراقية في ثورة العشرين وساهمت في نشر تفاصيل المعارك وشجعت على أواصرالوحدة الوطنية كما ركزت  على نشر بطولات زعماء العشائر ومواقف المرجعية من نشر بيانات وفتاوى , كما صدر العدد الاول من جريدة النهضة في العاشر من أب عام 1927 ورأس تحريرها امين الخزار عرفت بانها يومية سياسية لسان حزب النهضة العراقية وعطلت الجريدة لاكثر من مرة بسبب سياستها ومعارضتها للوزارة والدولة واستمرت لغاية 1930 , في السابق كانت الصحف تنشر الاخبار وتعارض سياسة الدولة وتهتم بنشر الثقافة والاداب والشعر وبمختلف المواضيع وتتحدث عن الاستعمار وكشف مشاريعه ولها اهتمام خاص عند المثقفين والمتعلمين , وقد تعرَض الكثير من رؤساء الصحف الى الاعتقال وغلق صحفهم  واستطاعت الصحف ان تفشٌل وتلغي معاهدات وتفجر انتفاضات لصدق ماتحمله من نوايه وثوابت وطنية , ناهيك عن مايحدث اليوم فهنالك مئات العنواين لصحف ومجلات تفترش الارصفة وتباع خمسة صحف بمبلغ 250 دينار وما تتضمنه أغلب الصحف اليوم اكاذيب ودعايات واخبار قبل حدوثها واتهام ومبالغه في نشر الاحداث وشتم وصور مخالفة للاداب العامة والهدف من ذلك هو استقطاب الناس وتصريفها بشكل سريع  , مع العلم ان الصحافة غذاء فكري وأن لايتلوث ذلك الغذاء كي لايصيب العقل بالضرر وتكون العواقب وخيمه في المجتمع .