23 ديسمبر، 2024 2:44 ص

الصاروخ الصيني التائه والحرب السرية الأمريكية

الصاروخ الصيني التائه والحرب السرية الأمريكية

شكلت قضية الصاروخ الصيني لونغ مارس 5 B
ملحمة جديدة شغلت البشر في الكرة الأرضية لاكثر من أسبوع ، وهو حدث آخر بعد الكورونا ، لتكون الكرة الأرضية تحت احتمالات الخطر الصيني المزعوم ، فبعد أن تم تصوير الكورونا على أنها حرب بيولوجية ، لدرجة أن المسؤولين الأمريكان يسمونها بالفيروس الصيني وليس كوفيديا 19, تتدخل أمريكا اليوم لترسم هالة إعلامية كبيرة حول الصاروخ الصيني التائه ولتجر مواقع التواصل الاجتماعي إلى اللغط والسخرية والاخبار الكاذبة لصناعة الرهاب الصيني والاساءة إلى التقنية لبكين وتصوير التكنولوجيا الصينية على أنها رديئة وفاشلة ، هذا التهويل الأمريكي حول الصاروخ الصيني واثارة المخاوف من سقوطه وتسليط الاخبار حوله وتركيز التحليلات حول تحركاته ومجهولية مكان سقوطه، يأتي لمزيد من إثارة الخوف والتشكيك بالقدرات الصينية التقنية والفضائية ، وخلق راي عام ضد التجارب الفضائية الصينية وتسريب حالة من الكراهية وعدم المصداقية للصين .
السؤال المطروح ماهي اسباب هذا التهويل الأمريكي ، ولماذا إثارة الموضوع بهذا النمط التهويلي ، ولماذا لم تقدم الصين أي تفسير لأسباب انفلات الصاروخ من غرفة العمليات والسيطرة الصينية ، وماهي أسباب حصول هذا الخلل ، وهل هو خلل ذاتي ام لأسباب خارج السيطرة ، تساؤلات مهمة تقودنا إلى قراءة واقعية للحادث والاسباب السياسية التي تقف وراء ماجرى …
من المعروف أن الصاروخ كان يحمل “الوحدة الرئيسية” التي ستصبح مقر إقامة طاقم من ثلاثة رواد فضاء في المحطة الفضائية الدائمة التي تهدف الصين إلى استكمالها بنهاية عام 2022، وانطلقت الوحدة التي يطلق عليها اسم “تيانخه” أي “تناغم السماوات” على متن الصاروخ “لونغ مارش 5B”، وهو أكبر الصواريخ الصينية وأقواها، ويبلغ طول القطعة المتبقية منه نحو 30 مترا وعرضها 4 أمتار، ويبلغ وزنها 21 طنا تقريبا، وفقا لما ذكرته وكالة رويترز.
عادة ما تضع هذه الصواريخ حمولتها في مدار الأرض وتعود للهبوط في مكان محدد مسبقا، أو تحترق وتتفتت في الغلاف الجوي للأرض. لكن ماجرى هو إن الصين فقدت السيطرة على الصاروخ الضخم، بعد أن أوصل الوحدة الأساسية لمحطة الفضاء إلى موقعها، والمقصود هنا أن الصاروخ أتم مهمته بنجاح، ولكن المشكلة أن بكين فقدت السيطرة على الصاروخ فتركته يدور حول الأرض.
وحتى تكون الصورة واضحة من المهم القول إنه في مثل هذه الحالات، بعد أن يتم الصاروخ مهمته، أي توصيل ما يحمله إلى المكان المحدد في الفضاء ويتم الانفصال، يبدأ الصاروخ رحلة العودة إلى الأرض ويدخل الغلاف الجوي ليتفتت ويسقط في منطقة غير مأهولة تكون عادة في أحد المحيطات، عبر إحداثيات محددة من جانب المحطة الأرضية التي تتحكم في مسار الصاروخ.
وهذه بالتحديد هي المشكلة بشأن الصاروخ الصيني، إذ فقدت بكين السيطرة عليه
وبالتالي خضعت الحادثة إلى تحليلات وتاويلات دفعت الصين للتعليق ولكن بايجاز حيث اكدت أن سقوط الصاروخ لاتاثير له ولاخسائر منه ولكنها في نفس الوقت لم تقدم أي تبرير لانفلات الصاروخ عن السيطرة الأرضية مما اثار فضول المراقبين السياسيين ، هل أن الصين تعرف أن تشويشا خارجيا أدى إلى اعاقة الاتصال به مما أدى إلى خروجه عن السيطرة ، وهي بالتالي تحاول استخدام هذه المعلومة كورقة ضغط على تلك الدولة المستفيدة من حصول هذا الأمر ، ام أنها تسعى إلى قراءة ردود الافعال ومراقبة الاستغلال الاعلامي للحادث لتتوصل إلى نتائج تضعها تحت اليد للمقايضة أو التهديد …
المعروف ان الصين سبق وأن أطلقت، الوحدة الرئيسية لأول محطة فضاء دائمة لها والتي ستستضيف رواد فضاء على المدى الطويل، في أحدث نجاح لبرنامج بكين الفضائي التي تأمل في أن تعمل محطة الفضاء الصينية بكامل طاقتها بحلول نهاية 2022. الامر الذي اخذ يثير حساسية امريكا، التي تحاول ان تظهر نفسها بانها اللاعب الاوحد في الفضاء.
الذي تتخوف منه امريكا حقا ان يسقط فوق رأسها، ليس الصاروخ الصيني بل المعجزة الاقتصادية الصينية، فقد كشف البيانات الرسمية والتقديرات العالمية عن حقائق تفوق الخيال في المعجزة الاقتصادية الصينية ، حيث تشير هذه البيانات والتقارير الى أن الاقتصاد الصيني تضاعف حجمه أكثر من 42 مرة خلال 37 عاما، ليقفز حجم الناتج المحلي الإجمالي من 305 مليارات دولار في 1980 إلى نحو 15 تريليون دولار حاليا.
وأصبحت الصين منذ سنوات أكبر مصدر في العالم، وابتعدت كثيرا في الصدارة بعد أن تضاعفت صادراتها 118 مرة منذ عام 1980 حين لم تكن تتجاوز 21 مليون دولار لتصل هذا العام إلى 3 تريليون دولار متقدمة بمسافة شاسعة على امريكا.
اللافت ان الحرب الدعائية والنفسية التي تشنها امريكا وحلفاؤها هذه الايام ضد الصين عبر بوابة الصاروخ الصيني التائه !، تتزامن مع اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع، الذي عقد مؤخرا في لندن، حيث دعا المجتمعون الى تشكيل جبهة موحدة في مواجهة الصين!!. وهو تزامن لم يأت صدفة في أغلب الظن.
كما أنه تزامن مع أحياء يوم القدس العالمي مما يوحي ان المطلوب من تلك التهويلات سحب الانظار عن تلك المناسبة وابقاء العالم أسير الخوف والفزع كما هو الحال من جائحة كورونا ، لان أمريكا تشعر أن الصين بدأت تبني تموضعها الفضائي بشكل لافت ، فالصين بصدد بناء المدينة القمرية على سطح القمر بعد أن حصلت على معلومات مذهلة عن القمر ،والملفت أن الصين لاتتعامل بالسريات مع اكتشافاتها الفضائية كما هو حال ناسا الأمريكية أو الايسا الاوربية بل تتعامل بشفافية مما يجعل هذه المعلومات في متناول الجميع .
أمريكا لو ارادت التخلص من الصاروخ الصيني التائه لاستخدمت صواريخها الحرارية وانهت الموضوع منذ اليوم الأول لكنها ولغاية في نفس يعقوب اطلقت العنان للماكنة الخبرية لتغطية اخبار الصاروخ في نطاق حربها الضروس مع الصين لكونها باتت معجزة اقتصادية ، كما حققت الصين اكبر نسبة نمو اقتصادي في العالم، وتشير جميع توقعات خبراء الاقتصاد ، لتحولها الى اكبر اقتصاد في العالم. كما انها في طريقها لتصبح صاحبة اقوى جيش في العالم. فيما تحولت شركاتها وعلى راسها عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي، الى كابوس مرعب، وفرضت واشنطن عقوبات عليها ، ومنعت العالم من التعامل معها، بعد ان اصبحت تهدد التقنية الامريكية في عقر دارها، ومع ذلك يبدو التنين الأصفر وكانه القطب الدولي القادم مما يضع أمريكا في دائرة المخاوف منه ، مما دفع بدوائر القرار الأمريكي إلى تخفيف مزاجها الثقيل في العالم والبحث عن تهدئات والدخول في مفاوضات مع ايران للعودة إلى الاتفاق النووي ، وكل ذلك يجري لمنع الصين من أن تكون البديل القادم للسيطرة على العالم …