+ النظام الذي انتج بعد 2003 لم يكن سوى استبدال استبداد نظام الفرد والعائلة باستبداد الطوائف ، الذي يجري العمل للحفاظ عليه لأقصى فترة ممكنة ولمصالح دولية- إقليمية – داخلية. هذا النظام عاجز عن انتاج أو بناء ديمقراطية حتى في حدودها الدنيا بما يحقق جزء من مصالح العراقيين، بسبب المسافة المتسعة بين الفئات التي انتجها، وابرزها البيوتات المالية وبين الافقار المتواصل للعراقيين، اضافة للصراع المتنامي بين اطراف هذا النظام على مواصلة سياسة النهب والتهور بكل مصالح العراقيين. يوم بعد اخر يجف عود العراقيين ليصبح اكثر قابلية للاشتعال ولن ينقذ هذا النظام شيء ما. أحد الاسباب التي تعيق ذلك هو الافتقاد الى قوى جامعة ومحركة لتوجه سهام الغضب الشعبي الذي يتصاعد، باتجاه النظام القائم. لا اعتقد انه يوجد امل جاد في اصلاح هذا النظام الفاسد والمتعفن من راسه الى اخمص قدميه.
+ ربما يدرك الكثير منا، انه من الصعب أحداث انعطافة في مسار الوضع القائم، الا بتصدع في جبهة القوى المتنفذة، التي ابدت درجة غير قليلة في قابليتها على امتصاص بعض الصدمات وقدرتها – بسبب توافر ظروف معينة – للوصول لمساومات جديدة، أو بانحياز قطاعات منها الى مطاليب الجماهير واجراء اصلاحات جادة في مجمل الوضع.
+ كان الشيوعيون هم القوى المشاكسة في مواجهة هذا النظام، واستطاعوا لحد ما، كسر العزلة المفروضة عليهم ولأسباب عديدة، باتجاه وتوسع خطواتهم وباتجاه بناء تيار مدني – ديمقراطى، ترافق ذلك كلة بأشياء عدة، ابرزها تحديهم في خوض الاحتجاجات الفعلية. اذا نجحت الخطة الامريكية والاقليمية وكما كان مخطط له، في هتك أعراض المعارضة العراقية السابقة من خلال استيعابها واغراقها بالفساد، بل بتحويلها الى مفرخة جديدة للفساد والارهاب واللاوطنية وغيرها من الانحطاط على كل المستويات. يبقى رأس الحزب الشيوعي العراقي وكل القوى الوطنية و الديقراطية مطلوبا . كل شيء ممكن في هذا البلد الا المشروع الوطني والذي لا يمكن أن يكون الا ديقراطيا وعلمانيا.
+ ارتفع هرم البرنامج الشيوعي على زوايا الوطنية – الديمقرطية – المدنية . حاول الشيوعيون الاقتراب من الاخرين عبر هذه الزوايا وقد احتلت فيه الزاوية الأولى المكانة الابرز في هذه المقاربات. تحالف العراقية. المشاركة في حكومة المالكي الاولى،. الموقف الايجابي من العبادي. فشلت هذه المقاربات ويتحمل الطرف المقابل مسؤولية ذلك، ورغم كل الملاحظات والانتقادات، الا ان الشيوعيين حصدوا نتائج سياسية هامة وكبيرة . ابرزها كفاءتهم ونزاهتهم ووطنيتهم..
+ يشكل مشروع ( سائرون ) كما سبق ان كتبت، أول شرخ حقيقي في بنية القوى المتحكمة في السلطة هو يحمل أمكانية وأوكد أمكانية فتح الطريق امام توجهات جديدة فيما لو جرى التعامل بوعي وحنكة وبدون أوهام. هذا الامر يعتمد على أمور عدة وأبرزها، مصداقية اطرافه وحرصها. هو ممكن أن يكون سيرورة لتفاعلات جديدة، لا يمكن رسم ملامحها الان. مثلا خطاب سائرون الذي ألقاه رئيسه وهو خطاب لا يعاب عليه شيء. بالتأكيد لن يكون هذا الخطاب في عزلة عن جماهير الصدريين وعموم العراقيين. تحالف سائرون هو تحالف انتخابي ومن الضرورة ان نفهمه كذلك، لكن ارى فيه امكانية لتعريق السياسة واكسابها طابعا وطنيا، بعد ان اصبحت السياسة في العراق واجهات لسياسات أقليمية من قبل القوى المتنفذة. قد يفشل سائرون في تحقيق كتلة كبيرة أو ذات وزن، وقد لا يصل الشيوعيون أو اصدقائهم الى البرلمان، وحتى حضورهم ربما يكون هامشيا، أو يتم شراء قسم من اعضاءه. هذه وغيرها كلها أمور واردة. في بلد اصبحت السياسة فيه للكثير وبالذات القوى المتحكمة فيه، نوعاً من العهر. يظهر ان القوى المتنفذة لن تتخلى عن مسلكها السابق والثابت في التزوير وتقاسم الاصوات وترميم جبهتها. مقدمة ذلك كان اقرار قانون الانتخاب والتصويت الالكتروني وغيرها. تحالف سائرون، لن يقوده ويحركه سليماني او السفير السعودي أو التركي وغيرهم، رغم ضرورة عدم تجاهل هذه المساعي التي ستبقى قائمة.
+ في تحالف سائرون هناك قوى غير الصدريين لم تكن رايتهم بيضاء، وكذلك في ( تقدم ) وبمساعدة جوجل واليوتيوب، ستكون صورة المعلومات أوضح، وربما هو هذا المسكوت عنه، في التحالفات. أس المشكلة يمكن بالتحالف مع الصدريين، فهم قوى جماهيرية ومالية وعسكرية وذات منهج ديني وغيرها، لكن للصدريين ازمتهم التي لا تخفى، وهي أزمة قواعدهم الشعبية وتمثليهم البرلماني والحكومي الواسع، والذي اظهرت الايام فساد اغلبيتهم وكونهم لا يختلفون عن السائدين. لا اتطرق هنا لجوانب اخرى لصراعات الصدريين مع القوى الاخرى لأسباب سياسية أو عقائدية وغيرها. بمعني العمل مع قوى كبيرة وفعالة دون أن نُبتلع ونستطيع ان نحصد نتائج طيبة في ضوء الحفاظ على استقلاليتنا في كافة الجوانب.
+ تحالف سائرون هو الان واقع حي، بعيدا عن كل الملابسات التي تحيط في الاقدام عليه. السؤال الحي الذي يتطلب ضخه بالمزيد من الاوكسجين هو كيفة تطوير القابليات والكفاءات على كل المستويات لخوض هذا العمل. بتقديري افرز هذا الامر للشيوعيين عدة جوانب:
+ اضيف لما كتبته في مقالي السابق ( الشيوعيون والصدريون. الى اين ). أن هذا الامر هو الخطوة الاولى والجادة في تقديري في تحول الحزب الشيوعي الى حزب انتخابي. ما سبق ذلك اعتقده مجرد شعار سياسي. اضاف ضبابية للوضع وترتبت عليه نتائج غير سليمة وعلى عدة مستويات ومنها التنظيمية.
+ هناك انعطافه حادة وسريعة في حركة الشيوعيين، لم نعهدها سابقاً في اغلب تاريخهم في انتقالهم الى موقع اخر. اربك العديد من مناصريهم ورفاقهم وحلفائهم. هل يشكل هذا الامر منطلق لدور براغماتي اكبر في السياسة ؟؟؟
+ من جانب اخر فضح هذا الامر الكثير من النواقص والخلل والذي استمر تغطيته وتغافله. اظهر اهمية أعادة الحياة لشعار ديمقراطية الحزب والذي اثرته منذ 2008 في احد المقالات والمناسبات، والتي ازعجت البعض. فقد اظهرت آليات اتخاذ القرار وهو قرار استثنائي، الديمقراطية العرجاء. أظهرت الخلل في رقابة الهيئات الدنيا على العليا، وخلل ايصال المعلومات التي غالبا ما تكون معلبة في نشرة اصح ما يطلق عليها محدودة التفكير بدلاً من محدودة التوزيع. اظهر مخاطر القبضة الحديدية على اعلامهم وعدم قدرته للتحول للتعبئة والتحريض واختناقه في المواقف المؤيدة للسياسات المعلنة وعدم قدرة هذا الاعلام على استيعاب وجهات النظر الاخرى وحتى ضمن زاوية حرة.. وللاسف ان تنشر صفحة الطريق أول المقالات في الدفاع عن هذا التحالف لتجمع كل المعارضين بسلة واحدة وتوجه لهم مجموعة من الاساءات والكلمات البائسة، لقد كان ومازال عدد كبير من هؤلاء المنتقدين هم خيرة ابناء الحزب وخيرة مقاتليه ومناضليه. صرفوا شبابهم واعمارهم وهم يحملون دماءهم على اكفهم. ومن المؤسف أن تنشر صفحة الطريق مقالة يتضمن هذا الامر. أن هذا الصوت المعارض والمنطلق من الحرص والذي يجب ان يأخذ مكانه، هو الصدى الداخلي، القادر على خلق التوزان ويحد من الاندفاعات غير المبررة في عملية تبدوا للكثيرين انها اشبه باللعب بالنار. الاعقد من ذلك كله، هو العودة الى الواجهة، ذلك الخلل المتأصل ولتاريخ طويل في القدرة على ادارة الحوار والخلاف الداخلي وخاصة في المنعطفات، بما يغني عملهم.. لقد انشغل الكثير منا، واستهلكت طاقة كبيرة قبل الدخول ساحة العمل، وكان من الممكن ان تستثمر بشكل اخر لو امتلك الشيوعيون زمام المبادرة، بدل الترقب، وحولوا هذا الامر الى رافعة جديدة في عملهم الفكري والسياسي وانفتاحهم على من يحيطون بهم.
+ أن المعيار الحقيقي لنجاح سياسة الحزب هو قدراتها تعبئة الجماهير حولها والدفاع عنها وانعكاس ذلك في تطور مجمل عمله،وليس التصويت المربك والذي اعتبر حاسماً، وليست الاغلبية مؤشر على هذه الصحة، فلقد صادق المؤتمر الثالث في 1975 بالاجماع تقريباً على سياسة كانت نتائجها كارثة.
+ قدرة الشيوعيون والحكمة على تقديم مرشحين يتمتعون بالنزاهة والكفاءة والصلابة باتخاذ المواقف المستقلة وخاصة في تقديم مرشحي مجالس المحافظات ، والتي من الضروري ان تخضع لرقابة المركز، لها اهميتها الخاصة. أتمنى أن تكون ( دار السيد مأمونة ) في هذا الجانب. الى جانب ذلك يبقى العمل مع قوى ( تقدم ) جانبا هاما وملحا ويمتلك أوليات كبيرة.
ان تحالف سائرون اصبح الان واقعاً حياً. لكن السؤال الاهم، هو ما العمل الان؟ فهل يستطيع الشيوعيون، اخذ زمام المبادرة؟ وهل يستطعون استنهاض قواهم في تحدي جديد، لتجميع أكبر الطاقات بما فيهم المختلفين مع هذه السياسية وعدم الاستهانة باي كان. هل سيكون هذا منطلقاً جاداً لترميم واصلاح ما ظهرمن خلل ونواقص وهل سيكون حافزاً جديداً لتطوير اساليب عملهم؟