18 ديسمبر، 2024 5:17 م

الشيوعيون والأول من أيار

الشيوعيون والأول من أيار

ليس محض صدفة، ولا هي صدقة من السوداني وحكومته ان تعلن يوم الأول من أيار عطلة رسمية في العراق، بالرغم انها عطلة رسمية منذ النظام البعثي الذي كان اشد اعداد الطبقة العاملة ، وتوارث عدائه لها من الحكومات السابقة بما فيها عبد الكريم قاسم والمشهور باعتقال القادة العماليين والفعالين والنشطاء لمجرد رفضهم لتصريحاته بمناسبة الأول من أيار عام ١٩٥٩وفي مقر الاتحاد العام لنقابات عمال العراق الذي اغلقه ايضا، بأنه يجب على العمال ان لا يطالبوا بزيادة الأجور وتحسين ظروف حياتهم وعليهم التعاون مع البرجوازية تحت عنوان محاربة الاستعمار، وما زال تتمسح به بعض القوى والأحزاب التي تصنف نفسها باليسارية بعبد الكريم قاسم، و يتبجحون بحديثهم عن العمال وبأنهم مدافعون عنهم وترتفع عقيرتهم في يوم الأول من أيار.

وليس صدفة ان يصرح الناطق الرسمي باسم مليشيات الحشد الشعبي سابقا ووزير العمل حاليا احمد الاسدي في هذه الأيام وعشية الأول من أيار، حول ضرورة انهاء الإشكالات بين الاتحادات العمالية في العراق، في حين ان حكومة السوداني التي ينتمي لها الاسدي جدد الولاء لقانون البعث السيئ الصيت رقم ٥٢ لعام ١٩٨٧ الذي يمنع حرية التنظيم في القطاع الحكومي، ويعترف باتحاد واحد شرط الولاء لسياسات الحكومة المعادية للعمال، أي الاتحاد الصفراء والذي رئيسه اليوم، المنتمي الى التيار الصدري حكم عليه بالسجن بتهمة فساده الاداري والاستيلاء على عقارات دون أي شكل قانوني.

ان الاعتراف بالأول من أيار من قبل البعث وبعده من قبل حكومات جاءت بعد الغزو واحتلال العراق، وأخيرا حكومة السوداني، انه يوم العمال وتعطيل الدوام الرسمي وان يكون مدفوع الاجر، يعني الاعتراف بمكانة واقتدار الطبقة العاملة، ويعني الاعتراف بتاريخها النضالي، ويعني الإقرار بمكانة الطبقة العاملة على الساحة السياسية والاجتماعية في العراق.

ليس منة من السوداني ان يعلن الأول من أيار عطلة رسمية، انما محاولة لذر الرماد في العيون والتمويه بأنه نصير الطبقة العاملة، في حين يمضي بالتوقيع مع المؤسسات المالية الغربية لإفقار العمال وامتصاص عرقهم وتحويل العراق الى مزرعة استثمارية للعمل الرخيص، يحرم العمال فيه من شروط عمل إنسانية ويمنع كل اشكال الحريات بدءا من التنظيم ومرورا بالتظاهر وانتهاء بالإضراب. ويمكن الذهاب فقط الى حقول النفط التي منحت جولات التراخيص للشركات البتروجاينة الصينية واكسيون موبايل الامريكية وتوتال الفرنسية وايني الإيطالية وروز نفت الروسية والبي بي البريطانية والشيل الهولندية-البريطانية، فأن العمال يعيشون في ظروف عمل قاسية وتنتشر في صفوفهم الامراض السرطانية، وقسم منهم باعوا بيوتهم وكل ما لديهم من اجل الحصول على تسديد نفقات العلاج، اما السوداني الذي أعلن ان الأول من أيار عطلة رسمية دون أي سبب وكما قلنا انه يوم ثابت في المفكرة السنوية بأنه عطلة رسمية، فهو يقبع على القاصة التي تضع فيها أموال النفط والموانئ التي يصنعها العمال ويمنح قسم منها الى جيشه البيروقراطي وتحالف المليشيات الذي اوصله الى سدة الحكم، ويحمي من خلالها حيتان الفساد الذين سلموا ثلثي العراق الى داعش و افرغوا ميزانيته ولم يحرك ساكنا تجاههم، ويرمي بفتات تلك الأموال الى العمال والمحرومين، في حين يعيش اكثر من ٤٠٪ من سكان العراق على خط الفقر او تحته.

في العراق وبالرغم من التاريخ النضالي الحافل للطبقة العاملة، وبرغم فرض الأول من أيار كعطلة رسمية التي هي نتاج ذلك التاريخ، الا انه للأسف لا تعرف غالبية العمال بمكانة واهمية هذا اليوم. وهذه المسالة ليست اعتباطية ولم تحدث بشكل صدفة، بل عمل عليها بشكل مخطط وممنهج ومدروس من قبل الطبقة البرجوازية الحاكمة منذ نظام البعث. وعلاوة على ان البعث صاغ قانون تحويل العمال الى الموظفين عام ١٩٨٧ وحظر بموجبه كل أشكال العمل التنظيمي في صفوف الطبقة العاملة في القطاع الحكومي الذي كان يقدر عدد مراكزه ب ٢٠٠ مصنع ومعمل من كبريات المصانع في الشرق الأوسط مثل الورق والبتروكيماويات والمجمع الصناعي العملاق في الإسكندرية للمكائن الثقيلة والسكر والأدوية والنسيج. الخ، وعمد الاحتلال بقيادة بول بريمر بموجب قانون سنة بمنع تزويد تلك المصانع بالطاقة الكهربائية وحرمانه من تمويلها من الموازنات الحكومية السنوية إضافة الى الإبقاء على القانون اعلاه، الا ان البعث في نفس الوقت عمل بتنظيم دعاية ممنهجة بانتزاع العمال من هويتهم العمالية الطبقية والتطبيل لمقولة (الموظف) ويجب الافتخار به وصور صفة (العامل) بشكل غير مباشر بأنه شيء يخجل منه، وفي الحقيقة كان الهدف من قانون البعث الاستحواذ على مدخرات العمال التي كانت تجبى من معاشاتهم وفي نفس الوقت الاستعداد لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية والتحاق المئات الاف من الجنود بالمعامل بعد تسريحهم من الخدمة العسكرية، لتشديد القبضة على الطبقة العاملة والحيلولة دون إعادة الجسارة النضالية التي شهدها تاريخ تأسيس دولة العراق الحديثة.

وهكذا نظمت حملة سياسية متواصلة بشكل غير مباشر لمحو تاريخ الأول من أيار من ذاكرة الطبقة العاملة في العراق، ولا بأس ان يبقى يوما واحد عطلة رسمية مدفوع الاجر، ويستغل في نفس الوقت للمزايدة السياسية وتحويله الى يوما لسوق عكاظ يلقي رئيس الوزراء ووزير العمل وغيرهم خطابات طنانة فارغة من المحتوى.

بينما نجد في مناسباتهم الدينية يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، فتعج الشوارع باللافتات وصور الرموز الدينية وتعلن اغلبية المحافظات التي تسيطر عليها الأحزاب الإسلامية التي جاء منها رئيس الوزراء بعطلة رسمية ليوم او يومين وعطلة غير رسمية لأيام تصل الى أسبوع وتقطع الشوارع، وتوظف الأقلام المأجورة والفضائيات لتمجيد تلك المناسبات، وحيث تستفيد من تلك المناسبات لإعادة إنتاج سلطتهم الفاسدة، في حين تعمل نفس تلك المنظومة بمحو الأول من أيار من ذاكرة المجتمع والطبقة العاملة، ولذلك نجد عندما تتحدث الى العمال في كل مكان وخاصة الجيل الجديد، فلا يعرفون ماذا يعني الأول من أيار سوى انه عطلة في العراق، وهذا يعني بقدر ان الطبقة البرجوازية الحاكمة تعي مكانة ودور واقتدار الطبقة العاملة بنفس القدر لا تدرك الطبقة العاملة بحسابات البرجوازية لها.

من هنا تأتي ضرورة عملنا نحن الشيوعيون، هو ان الأول من أيار ليس فقط جزء من هويتنا الطبقية، ولا ان ننظر إلى الأول من أيار مناسبة عادية ننظم بعض الفعاليات ونلتقط الصور لها ونكتب تقرير عنها وننشرها، كي نسجل موقف سياسي ونريح ضمائرنا، يجب التخلص من هذا التقليد غير الشيوعي وغير الماركسي، ولا يمت بأية صلة بالطبقة العاملة ومكانتها ورسالة ماركس ولينين.

إن الاحتفاء بالأول من أيار هو جزء من استراتيجيتنا نحو الثورة العمالية والاشتراكية، نحو إرساء عالم خالي من الظلم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والجنسي والقومي والعرقي، اذ يجب ان نشرح بإسهاب واستغلال هذا اليوم للتحدث عن وحدة العمال ومكانتهم وسقوط كل الهويات الزائفة القومية والعرقية والجنسية.

ان كل حزب وتيار سياسي يستند على طبقته، حزب الدعوة والوفاق الوطني والمجلس الإسلامي والأمة وكل هذه التلاوين تستند على الطبقة البرجوازية، ونحن الشيوعيون نستند على الطبقة العاملة.

ان من يتصفح التاريخ النضالي للطبقة العاملة في العراق، سيدرك بكل سهولة اقتدار هذه الطبقة، ولهذا ان تدشين حزب البعث بعد اشهر معدودة من سلطته بفتح النار على عمال الزيوت النباتية في ٥ تشرين الثاني من عام ١٩٦٨ن لم يكن أيضا حماقة او تهور من البعث بل كان يعرف ما هي الإمكانات الكامنة داخل الطبقة العاملة، وخاصة ان من يطلع على مرحلة الستينات من تاريخ الطبقة العاملة في العراق فهناك تضامن بين الأقسام المختلفة في حال حدوث أي اضراب عمالي بدءا من السليمانية وانتهاء بالبصرة ومرورا ببغداد.

علينا ان ندرك اذا كنا انهينا صلتنا واقصد هنا تقليدنا الفكري والسياسي والاجتماعي عن مثقفي البرجوازية الصغيرة وتيارها الذي ما زال يجثم بكل شيء على أدمغتنا وصدورنا، ونعتبر انفسنا جزء من الطبقة العاملة، فلا يمكن إحداث أي تغيير في المجتمع دون جذب الطبقة العاملة الى الساحة السياسية، ويبدأ بعملنا الدؤوب لشرح أهمية اتحادها وتضامنها، الخروج من الفئوية والصنفية التي تخيم على الطبقة العاملة، والنظر الى الطبقة العاملة ببعدها الاجتماعي والعالمي. تخيلوا فقط لو اضرب عمال النفط، وتضامن معهم عمال الموانئ على سبيل المثال، اين سيصبح السوداني و الحلبوسي والخنجر، من أين يمولون ميليشياتهم من جهة، وجيوشهم الالكترونية التي تزين لهم ماهيتهم الفاسدة، ماذا لو ظهر العمال كصف موحد ويقولون كلمة واحدة تجاه الفساد، وأنهم لن يحركوا عجلة الإنتاج اذا لم يقدم الفاسدين الى المحاكمة، فكل المنظومة السياسية التي تسمى بالعملية السياسية تنهار، وسيطيحون ببعضهم.

إن وظيفة الشيوعيين الأساسية هي العمل طوال السنة في داخل صفوف الطبقة العاملة، كي نصل الى الأول من أيار، وليس اقتصار العمل والاكتفاء بهذه اليوم وادارة ظهورنا بعد الانتهاء من الأول من أيار، هذا تقليد المنظمات اليسارية التي تتذكر الطبقة العاملة دون إدراك دورها ومكانتها في الأول من أيار، وكتقليد متعارف عليه يجب احتفائها بهذا اليوم، نحن لا ننتمي الى هذا التقليد وغريب علينا وعلى كل منظومتنا الفكرية والسياسية والاجتماعية.

وبالمناسبة ان عدم تحول الأول من أيار الى عطلة في العديد من البلدان او طمس ماهية الأول من أيار مثلا في الولايات المتحدة الامريكية وكندا، وإعطاء يوم اخر بدلا من الأول من أيار عطلة رسمية، والذي سمي يوم العمال (Labor Day) في بداية شهر أيلول من كل عام، هو من اجل المراوغة والالتفاف على الأول من أيار وفصل الطبقة العاملة في هذين البلدين او في البلدان التي ليست فيها عطلة عن رفاقنا العمال في البلدان الأخرى، انهم يحتفلون بيوم ميلاد المسيح وعيد الشكر ويمنحون عطلة رسمية، لكن يمنع العمل من الاحتفاء بالأول من أيار، او تحويلها الى عطلة رسمية، لان البرجوازية تدرك مكانة الطبقة العاملة وتدرك ان توحدت فستكون خارج التاريخ ان لم نقل نهايته ولكن من زاوية العامل الشيوعي لإرساء عالم أفضل وليس من وجهة نظر فرانسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ الذي صدع به رؤوسنا الأقلام البرجوازية بأبدية الرأسمالية القائمة على استثمار العامل الانسان.

وعليه في نهاية المطاف تقع مسؤولية إبراز يوم الأول من أيار ومكانته بالنسبة للطبقة العاملة على عاتقنا نحن الشيوعيين، اذا اردنا أن نردم الجدار القومي او الجدار الطائفي والديني او الجدار الجنسي، فكل محاولات البرجوازية من اجل الاستحواذ على السلطة والامتيازات هي الإبقاء على السخافات القومية والطائفية والجنسية، فدون فصل البشر على اساس القومية واو الدين او العرق او الجنس فلن يتمكنوا البقاء في السلطة على أساس المحاصصة.

ان الأول من أيار أضافة الى كل ما ذكرناه هو فرصة لرفع راية ماركس، راية الانسان هو اثمن رأسمال، الراية التي تبين بشكل قاطع دون أي لبس او شك، ان التقسيمات الانفة للذكر بين البشر هي وهمية لطمس التقسيم الطبقي للمجتمع والهوية الطبقية، بأن العمال الذين هم غالبية المجتمع ينتجون كل الخيرات بينما حفنة لا تتجاوز ١٪ تنعم بكل تلك الخيرات وترتكب كل المجازر من التطهير الطائفي والتغيير الديموغرافي وعمليات الاختطاف والقتل ونشر المخدرات والمتاجرة ببيع الجسد والأعضاء البشرية من اجل ادامة ذلك التقسيم بغية البقاء في السلطة.