يعيش الشيوعيون العراقيون فرحة الذكرى السنوية لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار 1934. وهي مناسبة وطنية عاشت في التاريخ العراقي بهاجسين ( السر والعلن ) وهذا يعود الى طبيعة علاقة الحزب مع السلطة والتي تكاد في اغلب فترتها التاريخية هي علاقة سلبية ولم تعش في علنها سوى في ثلاثة فترات قصيرة ، بعد ثورة 14 تموز وأثناء الجبهة الوطنية مع البعث في سبعينات القرن الماضي والآن بعد 2003.
في مدينة الناصرية التي تكاد تكون واحدة من الحواضن التاريخية لولادة الحزب ونشأته وديمومته كون آن مؤسس الحزب ( فهد ) جاءها مهاجرا من البصرة واشتغل في ماكنة ثلج طوبيا التي تقع في محلة السيف على نهر الفرات ، وبسبب وجود تلك الشخصية الوطنية اكتسبت المدينة جمال وروعة تلك الاحتفالات في سرها وعلنها وتناقلت عبر أجيال وأجيال طقوس هذا الاحتفاء بالتمكن الذي كان يسكن عاطفة الناس من ينتمي للحزب ولم ينتم ، وأجمل مافي تلك الطقوس هو البساطة والأغاني الجماهيرية ذات الحميمة اليسارية التي ترتبط بالغرام الروحي والوطني للإنسان الذي يعشق وطنه والحرية والحياة ، وكانت تلك الاحتفالات في سرها تتوزع بهدوء على أحياء المدينة ، حفل صوب الشامية وربما يقام في منطقة الإسكان أو شارع بغداد حسب ظروف الحزب وحفل محلة السيف يقام في محلة الصابئة أو بستان حاج عبود وحفل الإدارة المحلية وآخر في شارع عشرين وبيوتات أخرى تتوزع على محلات بغداد.
وأظن ان أجمل احتفال علني عاشه الحزب الشيوعي العراقي في الناصرية وعموم العراق هو الذكرى الأربعين لتأسيس الحزب الذي تميز بأنشطة متنوعة وعلنية وأقيمت في بغداد خيمة كبيرة تم أقامت الاحتفال فيها ولم تزل أغاني ذلك الاحتفال عالقة في ذاكرة البعض ومنها أغاني الفنان جعفر حسن وأهمها تلك التي انشدها عن العراق وشيلي وفكتور جارا وغيرها من الأغاني.
بعد الذكرى الأربعين ومع ارتباك العلاقة بين الحزب والبعثيين عندما اصدر صدام حسين كراسه الشهير ( خندق أم خندقان ) وفيه ينتقد باطنا العلاقة والجبهة ويؤسس له رؤيا شخصية في بقاء هذه العلاقة ، بدأت الجبهة تعيش لحظات انهيارها وبدأت المضايقات وبوادر تفتت تلك الجبهة ، وفي النهاية أتت الخيارات التاريخية لكوادر الحزب لتضع قدريتها على تلك الكوادر بأشكال مختلفة ، فمنم من فضل الهجرة أو الهرب الى الشمال والتحاق بقوات الأنصار التي كانت تقاتل الجيش العراقي في إسناد الحزبين الكرديين الثائرين في ذلك الوقت ( الاتحاد الوطني الكردستاني ، والحزب الديمقراطي الكردستاني ) والبعض ذهب في هجرته الى الدول الأوربية واغلبهم الى بلغاريا وهنغاريا وبراغ . والآخر استقر في سوريا ، والذين بقوا داخل العراق عاشوا محنة واغلبهم من المعلمين والمدرسيين عاشوا محنة تحويل وظائفهم من التعليمية والتدريسية الى وظائف كتابية في دوائر أخرى بصفة معاون ملاحظ.ومع نجاح صدام حسين في مسك كامل تقاليد الحكم في السلطتين الحزبية والحكومية ، فرض ضغط جديد على الرفاق القدامى وقسريا ومن تبقى من كوادر الحزب على الانتماء الى حزب البعث تحت مسمى غريب وطريف وهو ( الخط الوطني ) حيث تم تأسيس خلايا حزبية ، أطرف ما فيها إن اغلب أعضاء خلية التنظيم الوطني هم اثقف بكثير من مسؤول الخلية حتى ان بعض الخلايا لعدد من مثقفي الحزب الذين ارتضوا هذا الوضع لظروف عائلية قاهرة وربما انغلاق معابر الهرب كان مسؤولها مفوض أمن.
كنا نترجم مزحة عبارة ( الخط الوطني ) بعبارة ( لاين ناشونال ) كي تكون كلمة سر لمزاحنا وتندرنا على هكذا وضع تجبر فيه أن تمجد ميشيل عفلق قبل أن تمجد لينين ، وان تتخلى عن أحلامك الأممية ، لتذهب تفتش في خبايا وأهداف شعار امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.
درجة المؤيد هو ما اكتسبها رفاق ( اللاين ناشونال ) ، وخيرهم ربما ترحيله الى درجة نصير ، وأظن إن هذه الخلايا تفتت بمرور الزمن وخاصة مع استمرار الحرب العراقية الإيرانية ومن بعدها الحصار على العراق.
مزحة ( اللاين ناشونال ) من بعض المحن والتجارب القسرية التي مرت بها الذات الحالمة مع هواجس لحية ماركس في صناعة الحياة الجميلة لعموم البشر.
ذهبت خلايا الخط الوطن ، وذهب الوطن. وبقي العراق يؤشر ثانية لشيوعي مدينة الناصرية ليهمس لهم : احتفلوا علنا مرة أخرى بذكرى تأسيس حزبكم….!