أود أن أبين عن أسفي لاستخدام المصطلحات ذات المدلول الفئوي الضيق مثل (الشيعة – السنة – الأكراد) لكن تعقيدات المشهد العراقي هي مافرضت علينا ذلك كواقع حال وأيمانا منا بضرورة تسمية الأسماء بمسمياتها وقول الحقيقة ولو كانت مره والنقد البناء في سبيل الوصول لحل جذري للأزمة العراقية كان اللجوء لمثل هذه المسميات .
تعتبر الطائفة الشيعية واحدة من أكبر المكونات العراقية وأقدمها حيث أرتبط العراق بمسار التشيع التاريخي والسياسي منذ أن أختار الامام علي بن أبي طالب (ع) الكوفة عاصمة لخلافته ومن بعده الامام الحسن المجتبى (ع) وكانت أرض العراق مسرحا للنهاية المأساوية لسيد الشهداء الامام الحسين وحفيده الامام زيد (عليهما السلام) وأحتضن التراب العراقي جثمان ستة من أصل أثنا عشر اماما للشيعة حيث بات من الصعوبة فك طلاسم المزيج بين الطائفة الشيعية ووطنها العراقي عبر عصور التاريخ الاسلامي المختلفة ثم كان ما لقيه الشيعة من أضطهاد وظلم على أيدي الحكومات الأموية والعباسية والعثمانية في العراق وكان للأخيرة تحديدا (العثمانية) الأثر الكبير في السياسة العراقية حتى بعد تشكيل الدولة العراقية الأولى عام 1921 والتي كان التمثيل الشيعي فيها لايتناسب مع حجم الطائفة وعراقة وجودها التاريخي في العراق وهو ماساهم به للأسف الشديد مراجع الشيعة أنذاك (المرجع الخالصي تحديدا) برفضهم التعامل مع الواقع الجديد ومعارضتهم لأسس قيام الدولة وترسيخ وجودها عبر مجموعة من الفتاوي الخاطئة مثل خلع الملك فيصل الأول والوقوف بوجه سياسة التجنيد الاجباري ومعارضة المعاهدة العراقية البريطانية وأخيرا تحريم المشاركة في الأنتخابات والدستور وتولي الوظائف العامة ، لقد دفع الشيعة ثمنا غاليا ولعقود طويلة نتيجة هذه الفتاوي الغير مسئولة والتي أبعدت الشيعة عن الحكم وعن الاندماج في الجماعة الوطنية العراقية و أستمر هذا الوضع حتى سقوط بغداد بيد قوات الاحتلال
الامريكي في 9-4-2003 (تغير موقف المرجعية تماما عقب الغزو الامريكي للعراق فكان مناقضا تماما لما حصل بعد الغزو البريطاني تصحيحا لهذا الخطأ التاريخي) والذي مثل فرصة ذهبية وتاريخية للطائفة الشيعية لأستعادة هيبتها واثبات وجودها على المسرح السياسي العراقي بعد عقود طويلة من هيمنة السنة على مقاليد السلطة في العراق ولكن أتت الرياح بما لاتشتهي السفن فقد كانت السنوات التسعة (من عام 2005) من الحكم الشيعي للعراق هي الأسوء في تاريخ العراق الحديث حيث تميزت بالارهاب والطائفية والفساد والتغلغل الأجنبي بشكل بات يهدد وحدة الوطن العراقي ووجود الدولة ومستقبل الشعب وهو مايطرح أسئلة كثيرة ومشروعة حول أحقية الشيعة بالحكم ومدى أستعدادهم وكفائتهم وقدرتهم على القيام بمسئولياته الجسيمة وهو مانحاول أن نجيب عليه في السطور الاتية :
لاشك بأن من حق أي مواطن عراقي تولي الوظائف العامة متى ماتوفرت فيه شروط الكفاءة والخبرة والنزاهة ومتى كان ذلك يصب في مصلحة الوطن والمواطنين بغض النظر عن دينه ومذهبه وقوميته وعشيرته وماينطبق هنا على السني والكردي ينطبق على الشيعي فالكل مواطنون عراقيون وللشيعة الحق الكامل في تولي زمام السلطة في العراق شأنهم شأن كل الطوائف العراقية خصوصا بعد أحتكار سني طويل لسلطة القرار في بغداد . ولكن الخلل الحقيقي لم يكن في الشيعة كطائفة أو كأشخاص انما كان في تيار الاسلام السياسي الشيعي ومن هنا نتسائل هل كان الشيعة الاسلاميون مهيأون ومستعدون لحكم العراق ؟ الجواب قطعا كلا فطوال عقود الدولة العراقية الأولى (1921-2003) توالى على المناصب الحكومية في بغداد عشرات رؤساء الوزراء والوزراء والنواب من الطائفة الشيعية ممن أثبتوا كفائتهم ووطنيتهم الأ ان هناك قاسما مشتركا بينهم جميعا وهو عدم أنتماؤهم لتيار الاسلام السياسي الشيعي وهنا بيت القصيد فتيار الاسلام السياسي الشيعي الذي كان أكثر المستفيدين سياسيا من احتلال العراق وفرض سلطته على الحكم في بغداد مستفيدا من الأغلبية السكانية الشيعية وألية الوصول للسلطة والمتمثلة في الانتخابات تمكن مسبقا من فرض الوصاية على شيعة العراق متاجرا بمظالم الطائفة في العهود السابقة ومستغلا المشاعر الدينية والولاء المطلق لأهل البيت في الوعي الجماعي الشيعي ، فقد أرتكب هذا التيار سلسلة من الأخطاء المتلاحقة التي أدت الى ماوصلنا اليه اليوم وكانت أولى هذه الأخطاء اقراره بل ومطالبته بأن تكون المحاصصة الطائفية أساسا للنظام الجديد كضمان لمشاركة كل المكونات وعدم عودة الديكتاتورية !! (وفقا لأتفاق مسبق مع أطراف المعارضة الكردية والسنية في مؤتمر لندن) دون أن يدركوا بأن هذه المحاصصة السياسية ستمتد الى المجتمع لتحدث شرخا طائفيا قد يؤدي الى تمزيق الوطن بسبب جعل الطائفة أساسا للحكم وليس المواطنة !!! وقد يفهم هذا في حال ما اذا كان الشيعة أقلية يمكن للمحاصصة أن تضمن حقوقها ولكن الأمر لايستقيم مع طائفة تشكل الأغلبية السكانية ثم تواصلت اخفاقات الأحزاب الاسلامية الشيعية (التي لم يكن هدفها هو المصالحة وبناء دولة حديثة بقدر ماكان هدفها هو الأنتقام والثأر) عندما ظنت بأن مجرد كونها ممثلة للأغلبية سيبيح لها بسط نفوذها على كل دوائر الدولة والجيش والمؤسسات الأمنية وفي جميع نواحي الحياة واقصاء من تشاء بغير حساب و هو ما أدى مع مرور
الوقت الى ايقاد نار الطائفية التي سرعان ما تغلغلت في المجتمع لتولد ظاهرة العنف الطائفي التي واجهتها الدولة العراقية ولاتزال أما بقوات أمنية ضعيفة وغير مهنية لأسباب عدة منها الفساد والطائفية وانعدام الكفاءة أو عن طريق مواجهة الارهاب بالارهاب من خلال الميليشيات الطائفية التي لاتقل تطرفا واجراما عن التنظيمات الأصولية المتطرفة .
أن تجربة الاسلام السياسي الشيعي في حكم العراق قد فشلت في مجرد الوصول الى شاطئ الوطنية وليس الوطنية بحد ذاتها كمضمون وفكر التي لن تصلها مطلقا مادامت مصرة على التعامل بهذه العقلية الطائفية والأنتقامية واستحضار الخلافات التاريخية بين الطوائف الاسلامية في شئون أدارة الدولة العراقية والأصرار على أن تكون الواجهة السياسية للهيمنة الايرانية على العراق فالعراق أصبح في ظل حكم هذه الأحزاب الطائفية مجرد محافظة ايرانية تتلقى أوامرها من الولي الفقيه وهو مالم يحصل في تاريخ العراق الذي كان دوما ندا لايران لاتابعا لها .
ومن هنا فأنه يجب على العراقي الشيعي أن يدرك بأن أختياره لتيار الاسلام السياسي لتدشين حكم الشيعة للعراق كان خطأ تاريخيا فالاسلام السياسي عموما عندما يتصدى لحكم دولة ما فهو لاياتي لها الأ بالخراب والفشل والعنف (يستثنى من ذلك التجارب الايرانية والتركية والتونسية التي يرجع سبب نجاحها بسبب أمتلاك الاسلاميين هناك للبراغماتية السياسية المطلوبة والمرونة اللازمة فهم لم يدخلوا في صراع مع الأطار العام للدولة الوطنية فلم تعادي الثورة الاسلامية في ايران القومية الفارسية وقبل حزب العدالة والتنمية التركي وحركة النهضة التونسية بعلمانية الدولة ) أما في باقي التجارب التي لاتزال فيها أحزاب الاسلام السياسي (السني والشيعي) تعيش في حالة تاريخية قبل 1400 عام (العراق ومصروسوريا واليمن وليبيا) مبتعدة بذلك عن المفاهيم الحديثة في أدارة الدولة ومبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وهي المطالب الأساسية للشعوب التي تسببت بأندلاع انتفاضات الربيع العربي . أن السبب الحقيقي لنجاح السنة في حكم العراق طوال 82 عام (مهما كانت السلبيات والأخفاقات فقد أستطاع السنة تأسيس دولة قوية والحفاظ على وحدة العراق) هو أبتعادهم عن تيار الاسلام السياسي السني فأقصوا العمامة السنية قبل الشيعية وفصلوا الدين عن الدولة وحكموا العراق بعقلية العراقي لا السني وبمفهوم الأمة لا الطائفة (ولو كان لدى بعضهم ميول طائفية) وهو أمر فشل به الاسلاميون الشيعة عندما قرروا أن يحكموا العراق بعقلية الشيعي لا العراقي وبمنطق الطائفة لا الوطن فلو كان حكام العراق السنة طوال 82 عام اسلاميون (أخوان أو سلفيين) لأنقرض شيعة العراق كما أنقرض الهنود الحمر في الولايات المتحدة نتيجة للابادة الجماعية وهو عكس ماتقوم به اليوم الميليشيات من عمليات تطهير طائفي في بغداد وحزامها يستهدف تغيير التركيبة الديموغرافية لسكان هذه المناطق أو مايقوم به تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف من تهجير للمسيحيين وقبلهم الشبك الشيعة في محافظة نينوى وكلا الفصيلين (الميليشيات وداعش) ينتميان الى جماعات الاسلام السياسي المسلح .
أن طريق الشيعة للوصول لحكم العراق لم ولن يكون سهلا مقارنة بالسنة فاذا كان على السني أن يخطو خطوة واحدة نحو الكرسي فعلى الشيعي أن يخطو عشر خطوات ليلحق به وذلك لعدة عوامل محلية متمثلة بعنصر الخبرة في أدارة الدولة وهو متوفر للسنة أكثر مما لدى الشيعة بحكم سنوات الحكم الطويلة (82عام) وماسبقها من قرون الحكم العثماني التي كان السنة فيها يعملون فيها ضمن الكادر الاداري والعسكري العثماني في العراق وهو أمر افتقده الشيعة المغضوب عليهم أنذاك لأسباب طائفية وأقليميا حيث تعارض كل دول الجوار ماعدا ايران تسلم رجل شيعي حكم العراق وهو تدخل غير مقبول وطنيا لكنه مباح سياسيا وهو عامل لايمكن التقليل من شأنه في نجاح أو فشل الحكم في أي بلد ، فحكم شيعي ناجح للعراق كان يجب أن يتم ضمن السياقات العامة للدولة العراقية وفي أطار الهوية الوطنية العراقية والقومية العربية وهو مالم يدركه الاسلاميون الشيعة عندما سهلوا مع العنصريين الأكراد والتكفيريون السنة مهمة المحتل الامريكي بتفتيت الهوية الوطنية وأستبدالها بهويات طائفية فرعية على قاعدة فرق تسد وأنتهجوا عداوة غريبة لكل ماهو عربي وهي محاولة لايقدم عليها من يمتلك قدرا بسيطا من الحنكة والحكمة السياسية كما قاموا بشن حملة لاقصاء وتحجيم السنة وهي الطائفة الحاكمة للعراق طوال عقود والتي تتمتع بعمق استرايتجي عربي مما تسبب بتمردها العنيف والتي كانت داعش أحدث صوره ، بأختصار أراد الاسلام السياسي الشيعي اقتلاع العراق من جذوره ومعاداة الماضي وتجريمه عموما .
أن الشيعة العراقيون كانوا بحاجة لزعيم سياسي بحنكة ودهاء الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي تمكن من توطيد حكم الاقلية العلوية على الاغلبية السنية في سوريا لعقود أو بمرونة وكاريزما رئيسة الوزراء الباكستانية بنظير بوتو الشيعية التي تمكنت من حكم بلد ذات غالبية سنية ، بمعنى أوضح كان ينبغي أن يتصدر الساحة السياسية الشيعية أبناء الطائفة الشيعية من التيارات المدنية (اليسارية والقومية والليبرالية) بدلا من التبرأ منهم وتخوينهم والأسراع في الاندماج في الجماعة الوطنية العراقية وتقديم المصلحة الوطنية على المصلحة الطائفية وهو ماكان سيوفر للعراق عموما نظام حكم وطني مدني يتناوب فيه الشيعي والسني على الحكم ضمن عملية أنتخابية يكون أساسها الكفاءة والوطنية والنزاهة لا الطائفة والعشيرة كما هو حاصل الأن. فلا مجال للعراقي من أي طائفة كان الأ الايمان بالدولة المدنية الحديثة التي تتحقق في ظلها الحريات العامة لكل المواطنين سواسية دون التمييز الطائفي أو العرقي بينهم وأن يدرك جيدا بأنها (أي الدولة المدنية) هي الطريق الوحيد للحفاظ على وحدة البلاد وبقاء الطوائف المختلفة ومساهمتها الفعالة في بناء وتنمية الوطن .