منذ ان وجدت نفسي مرغما للدخول في عالم السياسة و افكارها كنت اتجنب الدخول في حوارات بشان الدين وما تفرع منه من مذاهب واجتهادات التي غيرت من معالمها الحقيقية و قطعت عني وعن غيري طريق الحوار العقلاني الهادئ بشأن العديد من القضايا ذات الصلة بالإسلام ، التي سببت ولا تزال في تعميق الخلاف والاختلاف بين كبار علماء الدين الواحد وهو الاسلام ، واليوم حين اراجع نفسي اجده انه كان على حق لان الدخول في هكذا حوارات لا تجدي نفعا ، لان المذهبين اتفقا ان لا يتفقوا على صيغة فكرية مشتركة ينقذ الاسلام من بين مخالب التجار الذين يتاجرون به على ضوء مصالحهم الشخصية الضيقة ، خصوصا حين فضلوه ان يكون طرفا في المعادلات السياسية الجارية في المنطقة ، كل حسب اجتهادات احزابهم الدينية التي لم يجدوا ما يهيمنوا به على عقول الناس سوى هذا المخدر الرهيب الذي يستسلم له العقول بمجرد الحديث عن الثواب والعقاب في الاسلام …..
في فترة صباي عرفت الشيعة والسنة في الاسلام ، وهما مذهبان يجمعهما القرآن ، ويختلفان عليه في تفسيره و لا يتفقان بالاستناد الى حقائق ودلالات افرزتها طبيعة العلاقات المتوترة بينهما منذ مئات السنين ، لم يقدر لهما الاسلام ان لا يتعاشوا مع بعضهم ، بل قدرت لهم مذاهبهم ان يقفوا على مفترق طريق ، ولهذا نجدهم لا يؤمن أي منهما بالمذهب الآخر ، يجاملان بعضهما البعض ، ولكن في القلوب نوايا ، وما ادراك ما هذه النوايا ..؟؟ وهي كارثية لو تعمدنا في معرفتها لوجدناها حرب مدادها مئات السنين تعد الاول العدة لإفناء الآخر من الوجود والعكس الصحيح ، خصوصا وقد حضرت ادواتها من النفوذ والمال والقوة بعد سقوط النظام الدموي في العراق ، والتي سهلت من عملية القيام بها متى ما ارادها أي طرف منهما بغض النظر عن الظروف وطبيعتها ويخلقونها دون تعب أو ارهاق ، وهذا ما نجدها قد دخلت حيز التنفيذ في العراق بعد عام 2003، وبعد ان وجدتها الشيعة فرصة للثأر من سنوات الاضطهاد والقمع لإرادتهم المذهبية التي حاربها صدام بكل ما أوتي من قوة بمسميات مختلفة …..
سنوات ((2006—- 2007)) كان زمنا الاختيار الرهيب للصراع بين المذهبين المختلفين ، حيث قضت عشرات الوف بل المنات من الابرياء نحبهم على الهوية دون وازع من ضمير ، ولهذا نجد العديد من المسلمين سنة كانوا أم شيعة قد غادروا المساجد والحسينيات خوفا من سيارة مفخخة بالموت البشع دفعها سني مغرور لجموع من المصلين الشيعة في حسينية بائسة ، لا يرتادها الا جموع الابرياء والفقراء والتائهين في متاهات البحث عن الامان في بيوت الله ، للثأر لأبو بكر وعمر وعثمان الذين يتعرضون لأبشع صنوف الاهانات اليومية من قنوات تلفزيونية خاصة أعدت برامجها لهذا الغرض ، والتي تديرها بالأفكار والاموال محرضو الفتن والنعرات الطائفية الذين يجدون في تفريق السنة والشيعة غايتهم الدنيئة في ضرب الاسلام وتشويهه ، فيما يخاف السني من انتحاري ارغم على الموت لينتقم لأمير المؤمنين علي الذي (غدره) خلفاء السنة و(اغتصبوا) أحقيته بالخلافة بعد وفاة الرسول عليه السلام قبل أكثر من 1400 عام ، اوهام فكرية سلبت العقول البريئة التي لا تعرف شيئا عن مكائد دعاة الطائفية وسياسيي المذاهب الذين يتفننون في ايصال الفكرة بأبعاد مختلفة ، فكل فريق يدعي احقيته بالحكم والسلطة ، ويسعى باتجاه اقامة دولته على اسسه المذهبية تاركا قيم وعقائد الاخرين في مهب ريحه الهائج من كل صوب ، حتى غدت بلادنا المعمورة مسرحا لأفعال تندى لها جبين الانسانية بسبب قسوتها وطريقة ممارستها التي تفتقر الى الضمير والشفقة والرحمة لأناس ابرياء لا ذنب لهم سوى انهم ولدوا في بيئة شيعية او سنية ….
لذلك فانه من الوهم الاعتقاد ان الشيعة والسنة في اطارهما الحالي يشكلان من الدعائم القوية للإسلام ، الذي تحول كرها بدوره الى تجارة سياسية رابحة يمارسها محترفوها بدقة متناهية وبمهنية عالية ضيعت على المسلمين عموما معالمه الحقيقية ومبادئه الانسانية والاجتماعية ، مما سبب في تشويه صورته في نظر الاديان والمعتقدات الدينية الأخرى ، حتى بدت علامات الاشمئزاز والتواصل مع الاسلام مسالة تثيرها العديد من الاديان والمعتقدات في اكثر من محفل ومنبر ، وغدت الاهانات والاستهانة بمكانة الرسل وأنبياء الاسلام ظاهرة عالمية عجز علماء السنة والشيعة و((ما أكثرهم في بلاد المسلمين )) من الوقوف بوجهها ، ودحضها بالدليل والبراهين بعقلية تفندها جملة وتفصيلا ، أو وضع حد لها اكراما لمكانة الرسول الذي وحد الدنيا بعقليته الواسعة ، واوصل راية الاسلام بدون اية تركيبة مذهبية الى اقاصي الدنيا ، واصبحت العالم من جراء تلك التجاوزات على الاسلام والمسلمين في حيرة من امر هذا الدين الذي يستبيح القتل والذبح وهدر دماء المسلمين تحت مسميات طائفية ومذهبية خطيرة ، والمصيبة الكبرى تتجلى في المشاهد المتكررة لعمليات الذبح على الطريقة الاسلامية ، حيث نجد (القصاب) يسمي باسمه الاكبر والاعظم ، فيما ترجف الضحية تحت وطأة السيف و ينطق بالشهادتين ..!! لست ادري اين العلماء الذين يدعون الاسلام وعلومه ومعارفه من هذه المهزلة التي يحاربون بها الله في عليائه ..؟؟ وهل بالإمكان ان نجد لهم ضميرا حيا ينطق بالحق ويشخص الاسباب بقلب حريص ومؤمن بالإسلام دون أن يحشرها في اجتهاداته المذهبية والطائفية التي لم تجلب للإسلام سوى الخراب والهدم لمبادئه السمحاء..؟؟
الحقائق توحي بان الصراع السياسي الديني و المذهبي بين المسلمين سيشتد عاجلا أم آجلا ، وشرارته الاولية تنطلق من بغداد عاصمة العراق في ظل المستجدات الجارية هناك ، التي تؤكدها محاولات (ميليشياتية ) مدعومة من دوائر القرار بقمع ارادات الناس واضطهادهم بشكل مخيف ، والتي لا تدل الا على العودة الى عصر التخلف والجهل لمعنى قيم الحرية والاعتقاد ضاربين بعرض الحائط نمط حياة التمدن الحضاري والثقافي ، وهي محاولات تذكرنا ما حصل في بغداد في فترة سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي حين عمد نظام صدام (السني )الى غلق المنتديات الاجتماعية الترفيهية خلال حملته الايمانية التي زعم بها قربه من الله زورا وبهتانا ، وصفق لها الدجالون والمنافقون من تبعة نظامه الفاسد…
ما يثير الاستياء الآن هو المنابر الخطابية التي وجدتها دعاة الاسلام السياسي في العراق للتستر على الواقع المزرى للإسلام ، والذين ارادوا له ان يكون فيما هو عليه من تمزق وتفكك في هذا البلد ، و الذي يترنح بدوره تحت سوط معاناة حرب طائفية ومذهبية يومية متكررة التي يغطونها ((بالصلاة الموحدة)) لذر الغبار عن العيون ، و حربهم القائمة تحصد بأرواح العشرات من ابنائه وشبابه ونسائه وشيوخه دون ضمير ، والتي لا ترجع اسبابها الا الى حجم الفجوة الكبيرة بين المذهبين التي سببت وتسبب في هدر المال والثروات والدماء دون وجه حق ، وتنمي من قدرة الفاسدين على ممارسة النصب والاحتيال والسرقة وهضم حقوق الناس المشروعة وفق قوانين والشرائع السماوية التي خصها الله الخالق لإنسانه المخلوق في احسن تقويم ، حتى اصبح العراق غارقا في بحيرات الدمع والدم ، لا يجد احدا من مسلمي مشارق الارض ومغاربها ان ينتشله منها رفقا بأبنائه الذين يتساقطون كل يوم كأوراق الخريف ..
وعلى هذا الاساس نجد ان الدول النسية والشيعية في المنطقة التي ترسم سياساتها بهذا الاتجاه لا تدخر جهدا الا ووضعها في كيفية توسيع رقعة الخلاف السني الشيعي على وجه التحديد في العراق باعتباره دولة ذات بعد حضاري كبير يحتضن مراقد ومقامات كبار الائمة والصحابة الكرام في كربلاء والنجف والمدن العراقية الاخرى ، املا بنجاح خططها وبرامجها العدوانية الحاقدة لتمزيق وحدة الصف العراقية وتفكيك نسيجها الاجتماعي على اسس الطائفة والمذهب …
ومن هنا يبدو ان الخلافات المذهبية تبقى قائمة الى ان يدرك المسلمون بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم حقيقة ما تطبخها الدوائر الحاقدة على الاسلام خلف اسوار شعاراتهم المزيفة ، والى ان تنقشع سحب الخلاف والاختلاف ينبغي على من يؤمن بالإسلام حقا ان يحافظ على بياضه الناصع ، و ويعمل على تحريره من الاجتهادات والفتاوي الهدامة ليكون خاليا من غبار الفتن والنعرات الطائفية المذهبية و السياسية التي لا تفرق الا لتسد لأصحابها سوء النوايا والشرور…..