لا أخاف على أمتي من كافرها ولا من مؤمنها ولكن من بين بين | حديث شريف .
الحديث عن الشيعة والسنة , حديث لايحسن أدائه كل من يشتهي الكتابة , ولا كل من يحلو له أن يكون صاحب رأي وهو لما يزل يحبوا في ميدان السياسة بدون معرفة في ملاكاتها , أو يحبوا في ميدان الثقافة دون معرفة حدودها .
حديث الشيعة والسنة هو حديث الفقه وتخصصه , وحديث الرواية والرجال وعلومهما , وقبل ذلك هو حديث القرأن وتفسيره , ومعرفة محكمه من متشابهه , ومعرفة الخاص من العام , ومعرفة الناسخ والمنسوخ , ومعرفة أسباب التنزيل .
من هنا فأن حديث الشيعة والسنة هو حديث العلم الذي لا يغادر الفهم , والفهم الذي لايغادر الحلم , والحلم الذي لايغادر الحكمة ” وأتيناه الحكمة وفصل الخطاب ”
فمن لايملك العلم المقرون بالفهم والحلم والحكم لايحق له أن يزج نفسه في هذا الميدان .
وما نجده اليوم من خطب وأحاديث , وبيانات وتصريحات يغلب عليها التحريض والعصبية لاتنتمي لروح العلم , ولذلك نرى ألانقسام والتشرذم يختزن الحقد والكراهية التي جعلت البعض يتوضأ بالدم قبل أن يعرف الصلاة الصحيحة كما فعل من أراد كتابة المصحف الشريف بدمه ظنا منه أن ذلك مما يسبغ عليه ثوابا لم يعمل له في حياته , أو ينال أجرا لايستحقه من كثرة موبقاته وأثامه , ولآن العلم لم يكن حاضرا عند أغلب الذين صفقوا لصاحب البدعة خوفا , نسب الموقف الرافض لتلك البدعة الى حديث الشيعة والسنة وهو ليس كذلك .
من هذا المثال الذي حفلت به السلطة الزمنية في العراق في بعض مراحلها والذي يضاف الى بعض مراحل السلطة ألاموية التي عمدت الى تشويه الرواية وحرفها مما جعلها تعطي خمس واردات أفريقيا الى أحد متنفذيها مثلما جعل السلطة العباسية في بعض مراحلها تبتدع مسألة ” خلق القرأن” لتصنع فتنة قتل فيها من قتل .
أن تكاثر الفتن في ديار المسلمين هو نتيجة لغياب العلم المقرون بالفهم والحلم والحكم , وهذه جميعها حملت على حديث الشيعة والسنة جهلا , بحيث تشابكت الفروع وفروع الفروع حتى كادت تضيع ألاصول على من لايمتلك رصيدا من المعقول .
ودخول السياسة غير المتزنة , وغير الناضجة على حديث الشيعة والسنة جعلت منها أبتعادا وليس أتحادا .
أن الشيعة والسنة هي مباني عقلية تبحث عن ألالتقاء والتوحد , بل هي والتوحد صنوان لايفترقان , لآن مراحل الفعل العقلي بأتجاه المفهوم والمبدأ لها مساحات من التأمل والملاحظة والتفكير , قد تطول فيها التجربة وقد تقتصر , والسابق والاحق في هذا الميدان يقطفان ثمرة القناعة والرضا في دوحة اليقين المستقر بنعيم وخلود دائم ” السابقون السابقون أولئك المقربون ” ” ثلة من ألاولين وقليل من ألاخرين ” ويعزز هذا الفهم الحديث الشريف الذي يقول :” أن عدد صفوف المصلين يوم القيامة ” 120 ” صفا ” 80 ” صفا منها من المسلمين , و ” 40″ صفا منها من غير المسلمين أي من أصحاب الديانات التوحيدية ألاخرى , ومن هنا يفهم حديث ألامام علي بن أبي طالب عندما مر بموضع كنيسة فقال بعض من كان معه : كم أشرك في هذا المكان ؟ فرد ألامام قائلا : وكم عبد الله في هذا المكان ؟
وأذا كان التشيع ينتسب للآمام علي بن أبي طالب , فأن ألافق الذي ينظر فيه ألامام علي بن أبي طالب هو أفق ألاتحاد وليس ألابتعاد , وهو أفق وفهم قرأني , وأذا كان التسنن ينتسب الى سنة رسول الله ” ص” فأن سنة رسول الله “ص” جامعة غير مفرقة .
أذا تحركنا على هذا المستوى من الفهم المسبوق بالعلم والمحصن بالحلم والمستدام بالحكمة , فكل مايشاع من فرقة وفتنة تتبخر ولم يعد لها من رصيد في عقول ونفوس من أمن بالله واليوم ألاخر .
أن التباعد بين الشيعة والسنة هو عمل المتطرفين والمحدودين والمنافقين , وألاتحاد هو عمل أهل العلم ,وخبرة أهل التجربة وحكمة أهل الخلق والسيرة الحسنة , وهذه المزايا هي المضمون الدائم والحاضر لتلبية مشروع الحياة على قاعدة ” وتلك ألايام نداولها بين الناس ”
وأهل العراق هم أولى بذلك وأحق لما لهم من تاريخ يعلو على المحن والشبهات , وقد أختبروا عبر التاريخ كثيرا , فكانوا مثالا للآتحاد والوحدة واليوم هم بحاجة الى أسترجاع ذلك ألافق الذي يطل على مستقبل يحدوه ألامل باليوم الجامع حيث ينزع الغل من النفوس , أخوان على سرر متقابلين , ومشهد من هذا النوع لايدع لآحد من العقلاء أن يكون له خيارا غيره .
أن شيعة وسنة العراق ليس لهم ألا أستعادة فضاء المحبة والمودة “رحماء بينهم ” وعند تحقق هذا النوع من الفهم ينزوي مروجي الفتنة الطائفية الى مجاهل التاريخ ويطويهم النسيان كما طوى غيرهم .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]