بعد قطيعة مع الغرب استمرت ﻻ كثر من 35 عام، بدأ الجليد يذوب بين الطرفين، منذ ضربات 11 أيلول 2001 وخصوصا عندما بدأت امريكا بغزو أفغانستان، فهل عادت اﻻمور إلى شبه نصابها اﻻعتيادي يوم 14 /7 عندما نقل تلفزيون طهرن الرسمي وبشكل مباشر خطاب الرئيس أوباما حول اﻻتفاق النووي بين إيران والدول الست.
ولعل الجميع يسأل لماذا تعاملت امريكا مع برنامج العراق النووي بحزم منقطع النظير، ومع برنامج إيران بشيء من اللين والتسامح والروية، رغم معارضة حلفاء امريكا مثل إسرائيل والدول العربية.
والسبب في ذلك يعود إلى نوع البرنامج في كﻻ البلدين، فايران تمتلك مناجم كثيرة من اليورانيوم، واليورانيوم الموجود في الطبيعة هو U 238، وﻻ يمكن استخدامه وهو في هذه الحالة الطبيعية، كوقود نووي أو كسﻻح نووي، ﻻ نه غير قابل للانشطار،وﻻجل استخدامه في هذين المجالين، يجب ان يخصب إلى نظير اليورانيوم U 235، بنسبة 5 % كوقود نووي ونسبة 90 % في السﻻح النووي، ومن أجل الوصول إلى هذه الدرجة من التخصيب، هناك عدة طرق، منها أجهزة الطرد المركزي، وأول من استخدم هذه الطريقة في التخصيب هي ألمانيا الاتحادية وكذلك هولندا وبريطانيا.
إن مقدار الفصل في هذه اﻻجهزه كمرحلة أولى يصل إلى (1.2 -1.5 )%وتزداد هذه النسبة في كل مرحلة، وقد بدأت إيران بهذه العملية قبل 12 عام، ووصلت خﻻل هذه الفترة الزمنيةإلى نسبة تخصيب تصل إلى 20 %، والتي يمكن ان تستخدم في المجاﻻت الطبية، ووصل عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة والتي هي ﻻ زالت في طور التحضير إلى 19000 جهاز، وللوصول إلى نسبة تخصيب تصل إلى 90 % هو مجرد وقت، ﻻن هذا العدد من اﻻجهزه كافي جدا، بل إن ب 1500جهاز يمكن ان تصل الى هذه النسبة، ولربما يوجد فرق في كفاءة هذه اﻻجهزه عن مثيﻻتها المستخدمة في الدول المتقدمة.
أما العراق فقد استخدم في برنامجه النووي، طريقة التخصيب بواسطة الليزر، وبهذه الطريقة يمكن أن تصل إلى نسبة 50 % بمرحلة واحدة، ولم يفصح العراق عن نسب اﻻنجاز في هذا المشروع وﻻ أي من الدول الغربية، ﻻن هذه الطريقة كانت وﻻ زالت بمنتهى السرية، ولم يكتفي النظام السابق بهذا القدر من الطموح النووي، بل ذهب باتجاه اﻻندماج النووي، بطريقة القصور الذاتي ومحاولته تصنيع جهاز التوكاماك، والذي ﻻ زال في طور البحث حتى عند الدول المتقدمة كاليابان وأمريكا، وأشار إلى ذلك صدام حسين في أحد أحاديثه التلفزيونية اذا قال (لدينا شئ ﻻ تمتلكه اﻻ دولتان ونحن سنكون الثالثة )وطبعا كان يقصد بذلك جهاز التوكاماك، والخﻻصة لو تركت امريكا العراق لمدة سنة واحدة بعد تحرير الكويت، لصنع القنبلة النووية من الوقود النووي الذي كان يستخدمه في المفاعلات النووية.
لذلك كان التعامل اﻻمريكي مع برنامج العراق النووي حاد جدا، فسخرت له كل إمكانياتها اﻻستخابرية وكذلك اﻻقمار الصناعية وطائرات التجسس U 2 إضافة إلى اﻻمم المتحدة، و تركت للدبلوماسية أن تسلك طريقها الطويل مع برنامج إيران النووي؛ ﻻن الطريق الذي سلكته إيران يسمح بذلك، ويمكن مراقبته والتحقق من عدم امتﻻك إيران لسﻻح نووي، كما صرح به أوباما في خطابه حول اﻻتفاق النووي مع إيران .
وأعتقد ان هذا اﻻتفاق ليس المشهد الأخير، بل هو بداية للعبة جديدة وسيناريو جديد، لربما اختلف ببعض التفاصيل عن سيناريو العراق، ولكن البداية والوحدة هو الموافقة على دخول لجان التفتيش، ويبدو ان ايران ابتلعت الطعم، وان كان بعد فترة طويلة من الحصار والضغوط السياسية، ولكن امريكا في النهاية بلغت غايتها.
وقبل أن أختم أحب أن أنبه القارئ ،أن أمريكا سمحت ﻻيران بالوصول إلى هذه المرحلة من برنامجها النووي، لأنها كانت بحاجة إليه أكثر من إيران، فايران تنفق المليارات وتعاني من وطأة الحصار، وهذا يصب في مصلحة امريكا، فهو يضعف اﻻقتصاد اﻻيراني ،واﻻهم من هذا هو اخافة الدول العربية من الخطر اﻻيراني، وكما قال كيسنجر للأمير بندر (أعداء الوﻻيات المتحدة يجب ان يخافوا ولكن أصدقائها يجب ان يخافوا أكثر )