23 ديسمبر، 2024 12:18 ص

الشيطان الأصغر وراء الانقلاب في تركيا

الشيطان الأصغر وراء الانقلاب في تركيا

أستطيع القول بعد اطلاعي على بضعة من الدراسات الاقتصادية، ان العراق كان يملك اقوى اقتصاد في المنطقة الاقليمية، ان لم يكن في العالم، في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
عام 1979، بلغت ايرادات ناتج النفط في العراق سنوياً 100،5 مليار دولار، والناتج المحلي رغم تراجعه وصل الى 50 بالمئة، و20 بالمئة من ايرادات النفط كافية للقضاء على الفقر نهائياً، و60 مليار دولار فائضة منها، تستخدم لاغراض:تصليح البواسير في المؤخرة، وتصغير الخشوم الكبيرة، وتكبير الشفايف، والزائد منها نزّل في جيوب البعثيين.
أَتعلم كم كانت تقدّر ميزانية 1979 السنوية بسعر اليوم؟ تساوي 260،550،000 مليار دولار!  وتعادل اليوم تصدير 15 مليون برميل يوميا!  مع النظر لأحتياجات العائلة العراقية، وزيادة النسبة السكانية، والتضخم.
في نفس العام من 1979، قامت الثورة في ايران، واعلنت عن نفسها جمهورية اسلامية، وأيضاً في هذا العام ازيح البكر عن السلطة، وأصبح صدام المقبور خلفاً له،
عام 1980، أعلنت الحرب العراقية-الايرانية، مَن المستفيد من هذه الحرب؟الجو العام السائد في الأوساط الشيعية، وبعض الكتاب والمحللين السياسيين”المفتشين باللبن”،يتهمون امريكا باندلاع هذه الحرب، في حين الدول المستفيدة من الحرب العراقية-الايرانية، هي الاتحاد السوفيتي، والسعودية، والكويت، والامارات، مع العلم ان العلاقة بين العراق وامريكا برئاسة ريغان، كانت متوترة.
السعودية، ومن ورائها الكويت والامارات ظهيرا، ضربوا عشرة عصافير بحجر واحد، في الحرب العراقية-الايرانية، منها:القضاء على الاسلام الشيعي في داخل العراق، وايران كدولة، هذا اولاً. ثانياً:تدمير القوة الاقتصادية للبلدين”ايران والعراق”، بحيث تراجعت نسبة انتاج النفط في العراق، في منظمة أوبك، من 3 ملايين برميل يومياً الى نصف العدد، بالمقابل أرتفعت نسبة السعودية في أوبك، وأصبحت تنتج بدل 4 ملايين برميل 7ملايين يومياً! والكويت والامارات، صارت نسبتهما بدل 2 مليون برميل 3مليون برميل! بعد تراجع نسبة العراق وايران بسبب الحرب.
ثالثاً:أبعاد أي منافس للسعودية، على الزعامة الاسلامية، والاقتصادية في المنطقة، وهذا واضح فقد اخفت صوت المذاهب السنية الأربعة، وتراجع الازهر عن صدارة القرار الديني السني، فأصبحت المؤسسة الدينية الوهابية، هي الناطقة بأسم الاسلام السني، بعد ان كانت منبوذة عند علماء المسلمين من أهل السنة.
الكويت والسعودية، دعمت صدام مالياً في حربه على ايران، حتى قدّرت المساعدات الكويتية ب 14مليار دولار، ومثل مايقول المثل العراقي:(من لحم ثوره وطعمه)، لأنه تراجعت صادرات نفط العراق خلال الحرب، التي قدّرت بمئات المليارات من الدولارات، فأتاح الزيادة للجانب المنافس للعراق، فحين تدعم الكويت والسعودية صدام، هي المستفادة والرابح الأكبر!
بعد انتهاء الحرب، قدّر العجز المالي للميزانية العراقية ب 376مليار دولار، منها 120 مليار دولار ديون، حصة الكويت من الديون 60 مليار دولار، صدام جن جنونه، واراد اعادة هيكلة وبناء الاقتصاد من جديد، فطلب من الكويت والامارات تخفيض نسبتهما في أوبك، وأتهمهما بزيادة النسبة، وأيضاً طلب من السعودية والكويت ألغاء ديونهما التي عليه، بل زاد وطلب ان يقرضاه مبلغاً مالياً، حيث ان صدام المقبور، اعلن صراحة وقال:(ان الحرب التي استمرت 8 سنوات، كانت من اجل الدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي)، لم تستجيب السعودية، والكويت، والامارات، لمطالب صدام، وأخذوا يماطلون في الأمر، وحدثت بعض المفاوضات بينهم، لم تثمر عن شيئ، إلاّ بغزو صدام للكويت، وغدر الغادرون!
بينما تسير ايران بخطى متسارعة نحو النهوض باقتصادها، بعد انتهاء الحرب، سارت الدولة العراقية نحو الهاوية والافلاس، حتى قدّرت ميزانية العراق خلال سنوات الحصار باجمعها ب109مليار دولار، ونسبة الفقر وصلت 90 بالمئة، في حين عندما استلم صدام السلطة1979،كانت ميزانية هذه السنة قدرها 105 مليار دولار! كما ذكرنا، فأي تدهور وانهيار جلبه صدام المقبور للدولة العراقية، بسبب حروباته! ومن المستفيد من هذا التدهور غير عربان ودول الخليج!؟
بعد التغيير عام 2003، تعافى نسبياً الاقتصاد العراقي، بسبب ارتفاع اسعار النفط، مع زيادة في الانتاج، ايران بلغت ذروتها في النهوض، ووصلت الى الاكتفاء الذاتي من الناتج المحلي، والتقدم الصناعي الهائل، والعراق تعافى تدريجيا الى ان اصبحت ميزانياته انفجارية في حكومة المالكي،فلم يرق الأمر لدول الخليج بزعامة السعودية، فاعادوا مسلسل الثمانينيات، من المؤمرات والتحريض والدسائس، للاطاحة من جديد بالبلدين، حاولت دول الخليج جهد الامكان، الوقوف بوجه التقدم الاقتصادي لايران والعراق.
ذهبت السعودية ومن يتبعها من جرذان الخليج، لتحريض الدول الكبرى ضد ايران، بذريعة تخصيب اليورانيوم، وتهديد ايران لدول الخليج، مما تسببت هذه المساعي بعقوبات دولية على ايران، حرمتها من الدخول في منظمة أوبك، وبيع صادراتها النفطية، أما في العراق، قاموا بتحريض بعض قيادات السنة، ضد العملية السياسية، فأخذت هذه القيادات تخلق المشاكل، وتثير الفتن، وتوجد المهاترات، والتناحرات السياسية لعرقلة وتقدم الدولة العراقية، مما سببت هذه اعمالهم انهيارات امنية، وتفجيرات، وتخريب في أنابيب النفط، والبنى التحتية، ودعم مالي للحركات المتطرفة، وإيجاد المناخ الملائم لها.
لا يعني هذا ان نبرأ حكومات ما بعد التغيير، من الفشل، وسوء الادارة، والفساد المستشري فيها، بحيث 10،000 شخص، من اعضاء برلمان، ومجالس محافظات وبلدية، ووزراء، ووكلاء وزراء، ومدراء عاميّن، وقيادات امنية، ورئاسات ثلاثة مع مكاتبها، يستلمون رواتب 50 بالمئة من ميزانية الدولة، هذا التبذير وصل الى ذروته في حكومتي المالكي، هذا غير عقود الشركات الوهمية، وتهريب الاموال الى الخارج، والتي قدّرت ب 400 مليون دولار، اضافة الى عملية بواسير العطية، وتجميل خشم الجميلي، والقائمة تطول، فماذا يبقى في ميزانية العراق، فكيف يبنى اقتصاد الدولة؟! ومَن المستفيد من هذا الوضع؟ غير دول الخليج.
تركيا، قفزت باقتصادها قفزة كبيرة للامام برئاسة اردوغان، وحققت عائدات كبيرة من ناتجها الصناعي والزراعي، فأطفت ديونها، وقضت على الفقر والبطالة، وبلغت الاكتفاء الذاتي، واصبحت دولة مستقلة سياسياً واقتصادياً، غير تابعة لضغوطات دولية، مما حدى باردوغان ان يشمخر بأنفه، ويتكلم بمنطق القوة، ولايهاب احداً، فأخذته العزة والغرور بالنفس، ان يتدخل بسياسات دول الجوار والمنطقة.
اصبح اردوغان يحلم باعادة الدولة العثمانية وسيطرتها، فأثارت قوة اردوغان هاجساً من الخوف في نفوس حكام الخليج، وخاصة آل سعود، الذين اطاحوا بولاة الدولة العثمانية، وأسسوا دولتهم أنذاك، وخوفاً من أسترجاع الزعامة الاسلامية الى تركيا، وسحبها من السعودية، بالاضافة ان هبوط أسعار النفط، أضرت بالسعودية، فأحدثت عندها عجز مالي قدره 72 مليار دولار، وايضاً أضرّت بالنمو الاقتصادي للامارات، وتعرض قطاعها الاقتصادي الاستثماري لخسائر مالية، في حين ان تركيا في هذه الفترة التي تعرضت فيها دول العالم الى ازمة مالية، حققت نمواً اقنصادياً مقداره 10 بالمئة تقريباً، مع تهافت الشركات الاجنبية للاستثمار في تركيا، كشركات التنقيب للنفط الخام، وغيرها من المجالات، فأكيد هذا الأمر مخيف جداً لدول الخليج وبالذات المملكة السعودية.
ال سعود منذ ان بنو مملكتهم، المؤدلجة بالفكر الوهابي المتطرف، وهي تعتبر نفسها القائد والزعيم للاسلام في المنطقة، وهذه الزعامة لا بد لها من قوة مالية تحميها، فالسعودية لا تريد لأحد ان ينافسها على هذه الزعامة، بأعتبارها جزء من منظومتها العقائدية، ولا تريد ايضاً ان تنافسها اي دول في المنطقة على اقتصادها، وهذا ما فعلته مع العراق وايران، من مؤمرات علنية ومخفية مع اصدقائها من دول الخليج، للاطاحة باقتصاد الدولتين.
منَ المستفاد في الانقلاب التركي إذا نجح،وخاصة إذا حدثت بعده انقسامات وصراعات داخلية في تركيا؟مما ينتج عن هذه الصراعات تراجع اقتصادي كبير، فحين نسمع من هنا وهناك، ان مصر والامارات ودحلان وراء الانقلاب في تركيا، أو ان الخليفة في قطر، وولي ولي العهد السعودي، يتشفعان للامارات عند اردوغان للتستر عليها، لأنها لها يد في الانقلاب، فليس بجديدة هذه المؤمرات من دول الخليج، فقد فعلوها مع العراق، وسوريا، واليمن، وايران، وبالقذافي، ومرسي.
من المؤكد ان اللاعب الرئيسي، واليد الخفية والمحركة لهذا المؤمرات هي السعودية، وكل بلاء، وفتنة تحدث في أي دولة في المنطقة، هي ورائها، لكي تبقى الزعيمة الاسلامية، والاقتصادية، والكل يطيعها، فإذا كان السيد الخميني”قده”، اطلق على امريكا الشيطان الأكبر في العالم، فالسعودية الشيطان الأصغر بالمنطقة!