23 ديسمبر، 2024 1:56 م

الشيخ علي الغروي/20

الشيخ علي الغروي/20

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
“لسنا على الاعقاب تدمى كلومنا.. ولكن على أقدامنا تقطر الدمى” بهذا المعنى، خلد الشيخ الشهيد علي الغروي، وتهاوى ذكر قاتله.. الطاغية المقبور صدام حسين، متخبطا بدمائه، تحت قدمي ضحيته؛ لأن التاريخ محوري.. يعيد نفسه.. إذ تلاشى ذكر يزيد بن معاوية، في الدنيا، ولم يعد له وجودا، الا في سقر، بينما ضحاياه أعلام ونجوم تتلألأ.
والشيخ علي بن أسد الغروي التبريزي، ولد في العام 1349 هـ بمدينة “تبريز” الإيرانية، وإغتالته قوات الأمن الصدامي، في 23 صفر 1419 هـ، على طريق كربلاء.
 
سيرة إيمانية
الشيخ الشهيد، مرجع شيعي اثني عشري إيراني، ابتدأ الدراسة الحوزوية في مسقط رأسه “تبريز” وهو لم يتم السنة السادسة من عمره، وبعد أن أنهى دراسته، مستوفيا متطلبات النجاح، تخرج فيها، الى “قم” لمواصلة الإستزادة من علوم القرآن والرسول وآل البيت والمجتهدين العظام.
عند بلوغ عمره ستّة عشر عاماً، حضر دروسا تفوق إستعدادات البشر العاديين؛ دلالة نبوغ، حتما سيقلق الطاغية؛ حين يصطدم، بعجز أجهزته القمعية، عن إحتوائه.. ترغيبا وترهيبا.
واظب خمس سنوات، على المرحلة المتقدمة من الدراسة الحوزوية، في قم، سافر بعدها إلى “النجف” لإتمام المنهج، مستقرا فيها، حتى إغتياله شهيدا.
 
سبيل السبايا
أتخيل طريق سيره، موحشا.. كما وصف الامام علي طريق الحق.. شابا يافعا، يقطع الفيافي، الى عراق مكبل بحزب البعث الجائر؛ للتعلم من قلب المأساة، أيمانا.
بين “تبريز” و”قم” و”النجف” درس على يد: محمد حجت الكوهكمري وأبو القاسم الخوئي وأحمد الخونساري وحسين الحلي وعباس علي الشاهرودي وباقر الزنجاني.
وعب من معين منهل العلم، علوم من سبقوا زمانه، متفكرا بها، وكلما نضجت في عقله الراسي، لمع مبدأ ” الشهادة بالتصدي لسلطان جائر”.
فيا ويل صدام منه، برغم أرجحية القوة، في تباين الميزان، بين ديكتاتور يمتلك مفاتيح المال والسلاح، مدعوما بقوى الاستكبار العالمي؛ لذا يا ويل الفزاعة التي نصبوها فخا للعصافير، حين تكتشف اللعبة!
ما تلقاه من علم، أجاد نقله، الى تلامذته: محمد رضا الطباطبائي التبريزي وعلاء الدين الغريفي وعلي آل محسن ومحمد أمين المامقاني وعبد الحسين آل صادق.
وتأثر به طلاب علم لم ينتظموا منهجيا، في مدرسته؛ ما زاد نظام البعث عجالة في التخلص من متانة بنيانه المرصوص بالحق، على وهن باطلهم الهش.. متهافت من تلقاء الآية الكريمة “ولا يحيق المكر السيء الا بأهله”.
 
الجلجلة
“وما قتلوه وما صلبوه، ولكن شبه لهم” فقتل السيد المسيح والامام الحسين.. عليهما السلام، حولهما الى ظاهرة ودين، لولا ان محمدا خاتم الانبياء.
له مؤلفات، ما زالت مرجعا مهما للباحثين، يهتدون بها، في الظلام، الذي حل على جلاوزة النظام الذي خسف الله به، حفرة تكريت، التي لم تسع صدام يتوارى فيها، بعد ان ضاقت من حوله الدنيا بما رحبت.
دبرت مفارز قوات الإغتيال، الموكلة بشخصه، خطة، آن نضوجها، في الثالث والعشرين من صفر 1419 هـ على طريق الفلاة، الممتدة، بين مدينتي “النجف” و”كربلاء” ودُفن في مقبرة “وادي السلام” الشهيرة، قريبا من ضريح الامام علي.. عليه السلام.
 ظن النظام القمعي السابق، إبان حكم حزب البعث، أنه سينجو، من تبعات التورط في قتل آية الله العظمى الشهيد الميرزا علي الغروي التبريزي، وأن دعامات دوامهم سترسخ في الارض، وما ضآلة حلمهم، بقادرة على فهم ان “الله متم أمره” و”أما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض”.
وقد زالوا بزلزال 9 نيسان 2003، وأمحى ذكرهم، بينما ضحاياهم خالدون.
لم يتحمّل النظام الحاكم في بغداد وجود هذا العالم الكبير، ولم يكن ليمضي شهران على اغتيال آية الله البروجردي حتى راح يخطط لاغتيال آية الله العظمى الغروي، فكمن له الجلاوزة في طريق عودته من كربلاء المقدسة الى النجف الأشرف واطلقوا عليه النار، وكان معه صهره وعدّة من رفاقه سقطوا جميعاً مضمخين بدماء الشهادة وعرجت أرواحهم الطاهرة الى الرفيق الأعلى.
في حين أعلن النظام، في اليوم التالي، أن الذين قاموا بالعملية، مرتزقة من الخارج!!