الاحكام الشرعيىة
الشيخ عبد علي النجم
رجل عاش فقيرا بجلباب الاغنياء
سألني احد الخطباء عن شخصية الشيخ عبد علي النجم , يقول سمعت من رجال الدين في البصرة عنه وبهرتني حياته الكريمة. بحثت عنه في مواقع التواصل الاجتماعي فلم اجد من كتب عن حياته الطيبة. وكلفني ان اكتب عنه, فهو ينتمي الى مدينة عراقية ” سوق الشيوخ “مركز قضاء تقع ضمن حدود محافظة ذي قار جنوب العراق. كانت عاصمة لإمارة المنتفق لأكثر من مائة عام، ضمت تلك الإمارة معظم مدن وقرى جنوب ووسط العراق من حضر وبادية، عرب مسلمين، ومن غير المسلمين كاليهود، والصابئة والنصارى.
مدينة يعيش اهلها على الزراعة والرعي وصيد الاسماك. الا انها ما يميزها عن مدن الجنوب العراقي انها متخمة بالشعراء والشخصيات الاجتماعية . قديما وحديثا. اضافة لمواقف شخصياتها وشيوخها ورجالها. بين هذه الاجواء ولد وعاش الشيخ عبد علي النجم رجل الدين الذي نعتبره من اهل الفاو. فتأريخ نزوحه كان في النصف الاول من القرن العشرين. سكن في حوز سمي باسمه. وتم بناء جامع له وبيت من طين عاش فيه لغاية نزوحه من الفاو بسبب الحرب وهناك استقبله اهل سوق الشيوخ بالترحاب.
تعرفت على الشيخ عبد علي النجم قبل ان اراه بقترة طويلة بسبب سمعته الطيبة وكثرة مواقفه الانسانية .كنت اسمع عن كرمه الذي يضاهي كرم اشهر كرماء العرب بل يتفوق عليهم . لا اريد ان اركز على جانب الكرم في حياته دون الجوانب الاخرى مثل العلم وحب المطالعة والادب وحضوره الدائم في جميع محافل المجتمع حيث يتطلب وجود رجل دين مثله. واذكر عنه انه حين سكنت النجف الاشرف في ثمانينات القرن العشرين فترة الحرب.
سمعت الناس يتحدثون عن صفة طغت عليه وهي الكرم . مما حمل زعيم الطائفة اية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي ان يلقبه { كريم العلماء} وهو لقب يستحقه بلا مجاملة ولم يلقب رجل دين او شيخ عشيرة او وجيه بهذا اللقب الذي يحمله الشيخ عبد علي النجم رغم توسع الحالة الاقتصادية بعد سقوط النظام. واقول جازما لا اعتقد ان ينافسه كريم على هذا اللقب . كان من عادته ان يزور المكتبة الحكومية العامة في الفاو فيجلس دائما مع رواد الادب والتاريخ والمطالعة. فيكون حضوره قطب الرحى يتجمع عليه المثقفون من كل الاطياف الدينية والسياسية وينهالون عليه بالاسئلة. وكان يرد عليهم والابتسامة لا تفارق شفتيه. وانا متأكد ان عددا من ابناء الفاو ممن كان يحظى بلقاء المكتبة العامة احياء يؤيدون كلامي بخصوص جلساته في المكتبة العامة.
اخبرني احد الاصدقاء. انه كان في ايام الامتحانات المدرسية يفتح باب الجامع للطلاب ويهيئ لهم ماء بارد والمراوح في وقتها لا توجد مبردات. وهذا نراه الان في صحن الامام الحسين{ع} في السرداب الكبير حين يراجع عدد بير من الطلاب دروسهم للتهيؤ للامتحانات الوزارية وغيرها. غير ان الشيخ عبد علي يزيد على ذلك انه يأتي للطلاب ويشرح لهم ما استصعب عليهم من مواد علمية.
اخبرني شخص ان الشيخ عبد علي حين عقد له عقد زواج. وكان معه اكثر من عشرة افراد من اهله. حين انتهى من العقد الشرعي اجبرهم ان يبقوا لغاية اتمام العشاء واهدى لزوجته عباءة جديدة .
في عام 1985 كنت في زيارة الى احد المشايخ في المدرسة القزوينية في النجف الاشرف ليلا. للاطلاع على ما يستوجب تعمير بعض اجزائها . فسمعنا ارتفاع صوت الطلاب كانهم يستقبلون شخصا عزيزا. وحين تاكد الشيخ رجع وهويبتسم قال. الطلاب فرحانين لأنه جاءنا الليلة الشيخ عبد علي النجم ليبات عندنا ويغادر غدا الى سوق الشيوخ.
بعد ان استقر به المقام اخرج ما في جيبه من مال وكلف اثنين من الطلاب ان يشتروا عنبا ويوزعونه لطلاب المدرسة . ومن وصيته لهم . ( هذا المبلغ لشراء العنب, وهذا المبلغ للحمال} ولكن اريد ان تجلبوا للمدرسة وطلابها {احسن عنب في النجف. وافضله والذه وانضجه واحلاه واكبره} فضحك الطلاب وقالوا يا شيخنا لا يوجد عنب بهذه المواصفات.
ولما استقبلت النجف خبر وفاته تهيأ طلاب العلم واساتذة الحوزة لتشييعه الى مثواه الاخير. وحين وصل جثمانه مدينة النجف الاشرف .. أدخل الى الصحن الحيدري الشريف للزيارة. لا اتذكر بالضبط من صلى عليه. ولكن لا يعدو من ثلاثة . اما السيد الخوئي بنفسه . او ارسل اقرب المقربين اليه وهما السيد علي السيستاني دام ظله او السيد نصر الله المستنبط. رحمه الله. واوري جثمانه الثرى في وادي السلام الى جوار امير المؤمنين{ع}, رحمك الله يا ابا محمد يوم ولدت ويوم مت , ويوم تبعث حيا.