لم يكن شخصاً بدوياً عادياً مثل عامة شيوخ العشائر في حينها. رغم انه يملك من الابل والمواشي ما يكفيه ليعيش هو واسرته بنعيم دائم الا انه كان يملك اكثر من ذلك بكثير من روح وطنية لا تقاس بمقاييس ولاتقدر بثمن ورغم انه الشيخ العام لقبيلة زوبع الشمرية..الا ان المبادئ الوطنية التي يحملها لم تعفه من مسؤولية حمل السلاح بوجه المحتل الانكليزي…
انطلقت ثورة العشرين ضد المحتل الانكليزي من فوهة بندقية الشيخ ضاري المحمود ولم تنطفأ الا بعد مرور ثماني سنوات.. لم تنطفأ حتى تم القبض عليه ومحاكمته ووفاته في سجون الاحتلال نتيجة لقهر وتعذيب ضباط وعساكر الانكليز …
اشترك في ثورة العشرين العشرات من شيوخ العشائر من مختلف انحاء العراق وكان لهم ادوار رئيسية في مقاومة المحتل سطروا من خلالها ملاحم بطولية لا يمكن للتاريخ نسيانها او تجاهلها.. ولكن المحتلين الانكليز كان تركيزهم الرئيسي على شخصية ضاري المحمود فهم يعرفون جيدا ان القضاء على هذا المجاهد يعني نهاية الثورة وهكذا بقيت القوات الانكليزية تتابع اخباره وتلاحقه من مكان الى آخر… كان الثائر الوحيد الذي استطاع مع الثوار الذين يقاتلون تحت جناحه من اسقاط طائرة انكليزيه بالقرب من مدينة الفلوجة الانبارية وهو من قتل القائد الانكليزي لجمن الذي اسمعه كلمات غير لائقة وكان اسمه الكولونيل ليتشمان الذي طلب لقاء الشيخ ضاري لكنه رفض في بادئ الأمر وامتنع عن المثول أمامه لانه يعلم بطلبه مسبقاً وهو التعاون والتجسس لصالح الإنجليز ضد العراقيين.
ولكن اصرار القيادة الانكليزية على لقاء الشيخ ضاري فقد حضر ومعه أولاده خميس وسليمان و21 رجل مسلح من قبيلة زوبع. وقد جرى اللقاء في منطقة خان النقطة وهي منطقة تقع بين بغداد والفلوجة وتبعد عن بغداد ثمانية كيلومترات تقريبا.. وحين وصولهم لم يكن القائد الانكليزي موجودا بالمخفر والذي كانوا يلقبونه بأسد الصحراء وعند حضوره تمت مقابلته للشيخ ضاري وحده ولم يكن يعلم عن المرافقين له إذ ذهبوا وجلسوا بمكان قريب من المخفر طلب القائد الانكليزي من الشيخ ضاري التعاون مع المحتل الانكليزي ولكن الرفض جاء قاسياً جدا عندما قال له ان يفضل الموت على الخيانة ببلده وقومه وقد اراد القائد الانكليزي استغلال المذهبية في حينها ولكن اصرار الشيخ ضاري بالرفض وافهمه ان العراق واحد ولايوجد بيننا سنة وشيعة وان الثورة وطنية وتبقى شعلاتها تنير وتنطلق حتى تحرير آخر شبر من تراب العراق…
فقام القائد الانكليزي المتغطرس بإهانة الشيخ ضاري بكلمات نابية وشديدة. وهنا هبت الحمية العشائرية العراقية بالشيخ وخرج وأحضر ولداه خميس وسليمان الذين وجهوا بنادقهم إلى رأس الكولونيل ليتشمان وأطلقوا النار عليه فوقع ارضا يتخبط بدمائه فقام الشيخ ضاري واجهز عليه بسيفه وعند محاولة المرافق للقائد الانكليزي المقاومة قتلوه أيضا وما ان انتشر الخبر وصلت اسماعه لندن والتي حزنت على اسد الصحراء التابع لها والذي قتل بسيف بطل الصحراء العراقي المجاهد ضاري المحمود وهنا انطلقت الاهزوجة الشعبية
((هز لندن ضاري وبچاها))
ولوتمعنا قليلا بهذه الاهزوجة لوجدنا روح النصر ونشوته ومبادئ الروح الوطنية وهي في قمة ذروتها.. نعم كانت انتصار لثورة شعبية بأسلحة بسيطة ضد دولة عظمى تمتلك الطائرة والدبابة والمدفع والذخيرة ولكنها لا تمتلك شجاعة الثوار الذين قاموا بضرب البضائع الانكليزية التي تنقل بسفن صغيرة عبر نهر الفرات وكذلك تم قطع خطوط السكة الحديدية مع الموصل.. ورغم صدور عفو عن ثوار ثورة العشرين الا ان الشيخ ضاري المحمود واولاده غير مشمولين بالعفو وتم تخصيص مبلغ عشرة الاف ربية لمن يدلي بمعلومات توصلهم للقبض على الشيخ ضاري المحمود وفعلا تم الوصول الى عنوانه وتم تسليمه من قبل السائق الارمني الذي كان يركب السيارة معه ولثقته الشديدة به وكان ينوي السفر من الحسكة الى منطقة الجزيرة السورية
ورغم انه عمره قد تجاوز الثمانين عاما الا ان الانكليز اصروا على محاكمته وتم الحكم عليه بالإعدام ولكنه كان مريضا وبمجرد دخوله السجن توفي هناك.. وبعد استلام جثته تم تشييعه في اغلب المدن والبلدات العراقية في موكب حزين حضره الاف المشيعون وهم يرددون..(( يهلال الديرة شهالغيبة )) ومع رحيل الشيخ ضاري المحمود رحلت المبادئ والروح الوطنية الى دون رجعة وكتب التاريخ كلماته.. اليوم نقرأ سورة الفاتحة في مجلس عزاء الوطنيين جميعا في الوطن العربي…