18 ديسمبر، 2024 9:53 م

الشيخ سنداح … سارق سيف الملك

الشيخ سنداح … سارق سيف الملك

في يوم شتوي من العام 1932 أستدعى مدير شرطة لواء بغداد ، معاون شرطة السراي محي الدين عبد الرحمن ، الى مكتبه وأبلغه بتسجيل بلاغ عن حدوث سرقة سيف الملك فيصل الأول في البلاط الملكي ، وطلب منه التوجه فورا الى البلاط الملكي والتحقيق بالموضوع.
وصل معاون شرطة السراي الى البلاط الملكي ، وقابل على الفور رئيس الديوان الملكي رشيد عالي الكيلاني الذي رحب به وشرح له تفاصيل سرقة سيف الملك فيصل الأول من مكتبه الخاص ، حيث ان السيف كان موجودا في دولاب خشبي مثبت عليه زجاج ، ولم يلاحظ أي كسر في الدولاب أو تهشم في الزجاج.
أصطحب الكيلاني معاون الشرطة ، فدخلا على جلالة الملك فيصل للسلام عليه والأستئذان منه بالتفتيش ومباشرة التحقيق ، حيث وافق جلالته على ذلك.
باشر المعاون أعماله وبدأ بتدوين أقوال كافة العاملين في البلاط ، وكذلك قام بالكشف الموقعي على محل الحادث. ومن خلال ذلك فأن المعاون محي الدين عبد الرحمن حصر الشبهات بشخصين يعملان في مكتب الملك فيصل :
الأول : أبو شفيق وهو سوري الجنسية وظيفته تنظيف مكتب الملك.
والثاني : الشيخ سنداح ، وهو من الحجاز ، وظيفته أعداد القهوة للملك و ضيوفه ، قدم الى العراق مع الملك فيصل ، وكان قبل ذلك المسؤول عن أعداد القهوة في بلاط الملك علي ملك الحجازقبل عزله من قبل آل سعود.
قام المعاون محي الدين بأبلاع رشيد عالي الكيلاني بما توصل من نتائج جراء التحقيقات مع العاملين في البلاط ، فأخبره الكيلاني أن الأمر يتطلب أخبار الملك شخصيا ، وبالفعل دخل الأثنان على الملك فيصل ، حيث رحب بالمعاون وأمر الشيخ سنداح بتقديم القهوة العربية أكراما له. وحين خرج سنداح ، أخبر المعاون جلالة الملك بما توصل اليه ، وأن الشكوك تحوم حول أبو شفيق والشيخ سنداح.
صعق الملك فيصل لما سمع ذلك ، لأن المشكوك بهما هما خادماه المخلصان.
وبعد خروج المعاون ورئيس الديوان من مكتب الملك ، طلب المعاون الأذن بأستصحاب الشخصين المشكوك بهما الى معاونية شرطة السراي لمواصلة التحقيق معهما ، فأذن رئيس الديوان له بذلك، حيث أصطحب معه أبو شفيق أولا ، وبدأ بأستجوابه ، ولما تعمق معه في التحقيق انهار باكيا وقال : هل من المعقول أن أخون سيدي الملك الذي أكرمني غاية الأكرام. هنا طلب المعاون من أبو شفيق أن يعود بذاكرته ويستعرض سلوك الشيخ سنداح وما أذا تغير شيئا من سلوكه أو عاداته بعد سرقة السيف ، وبعد صمت وتفكير قال أبو شفيق : نعم لقد تغير سلوك الشيخ سنداح ، حيث أخذ يطيل المكوث في غرفته، كما قام بتكديس أكياس الفحم في غرفته ، ولما سألته عن سبب ذلك قال لي أنه يحتاجها لعمل القهوة.
هنا أصطحب المعاون أبو شفيق معه في سيارة المعاونية وتوجها الى البلاط الملكي ، ودخلا غرفة الشيخ سنداح مباشرة ، فوجداه جالسا فيها ، في الوقت الذي أصفر وجه الشيخ وبان عليه الخوف والأضطراب، وقال للمعان : ماذا تريد؟
أجابه المعاون بكل هدوء : أريد سيف جلالة الملك ، فالسارق أنت.
خرج الشيخ سنداح من الغرفة راكضا يشكو المعاون عند رئيس الديوان الملكي ، وفي أثناء غيابه أمر المعاون بأخراج جميع محتويات الغرفة الى الخارج ، ثم أمر بعض عمال القصر بأحضار ماء وسكبه على أرضية الغرفة ، بدأ الماء ينتشر على أرضية الغرفة ولما وصل الى أحدى زواياها بانت فقاعات هوائية دلالة على وجود حفر في تلك المنطقة.
حضر رئيس الديوان الملكي ومعه الشيخ سنداح ، بينما طلب المعاون من العمال أن يحفروا في ذلك الركن من الغرفة ، اخذ احد العمال بالحفر فظهرت قطعة من القماش ، ولما سحبها ظهر السيف ملفوفا فيها.
بهت رئيس الديوان من ذلك ، بينما التفت المعاون الى الشيخ سنداح وقال له : ماذا تقول الآن يا شيخ ؟
ثم أنتقلوا الى مكتب رئيس الديوان الملكي ، وهناك أعترف الشيخ سنداح بفعلته ، وأن الدافع الحقيقي ليس سرقة سيف الملك ، وأنما أخفاؤه ، بسبب قيام الملك فيصل بالأطراء على السيف أمام كل من يحضر من الضيوف ويقول لهم أنه هدية من الملك سعود ، وقد نسي أن الملك سعود هو الذي عزل أخاه الملك علي وطرده من الحجاز وجعله دون مأوى.
هنا طلب رئيس الديوان الملكي بأن تتم معالجة الموضوع عن طريق رئاسة الديوان دون الحاجة للأجراءات القضائية.
توجه رئيس الديوان الملكي بالشكر لمعاون شرطة السراي على جهوده ومهارته في كشف غموض هذه الجريمة .
أستأذن المعاون رئيس الديوان بالأنصراف ، وعاد الى مدير شرطة لواء بغداد ليخبره بما جرى ، وجه مدير الشرطة الشكر للمعاون محي الدين عبد الرحمن لجهوده ، وأمره بالأنصراف والعودة الى معاونيته لمزاولة واجباته المعتادة.