حقاً وصدقاً،تفتقد الساحة المنبرية الدينية إلى خطاب معتدلٍ وعلمي يشابه الخطاب الذي مضى عليه العلامة الدكتور الشيخ أحمد الوائلي(1928- 2003)،تمكن من تحويل المنبر الحسيني إلى مدرسة متنقلة،سمته أنه كان ينتهج خطاباً علميا هادئاً يركز على الحجة والاقناع الا السب والشتم، وسمته الاخرى لم يكن منتميا إلى اي جهة سياسية على الرغم من الاغراءات التي قدمت له .
لانجافي الحقيقة أن قلنا أن جميع محاضرات الشيخ الوائلي غنية بالمعلومات الدقيقة وهي تمزج بين الجانب الديني والجانب المعاملتي في الحياة.
لم يكن الشيخ الوائلي خطيباً دينياً،فحسب بل كان عالما ً مُعلماً، ينتمي إلى المدرسة العقلية لا المدرسة القلبية(الشعورية)، كان حجاجياً وواعيا بما يقول ابتعد عن بحر التطرف الذي يغرق من يغوص فيه لا محال.
صراحة القول أنني لم استمع يوميا إلى محاضرة من محاضرات الشيخ الوائلي الا وزادتني معلومة جديدة وفكرة اضافية، فلم يكن يتبع النظام التقليدي في إلقاء محاضراته فهو يتبع اسلوب ” السهل الممتنع ” .
لست هنا في مجال تقيم الخطباء ورجال الدين فهذا من اختصاص اهل الشأن، ولست في مجال الحديث عن علمية الشيخ الوائلي فلن اتي بجديد،لكن ينبغي الاشارة إلى أن هناك هاجساً وتخوفاً من يكسو المنبر الغطاء السياسي المتوج بالخطاب الطائقي، فيتحول إلى تسقيط جهات سياسية ويضيع ثيمته الاساسية وهي رفد الناس بالعلم والمعلومات الدينية الدقيقة، فضلا عن تزايد المخاوف من اختزال المواضيع التي يطرحها الشيوخ والسادة الافاضيل في مواضيع محددة ويتحويل إلى حديث مناسبات على الرغم من اهمية ذلك .
معلوم أن المنبر وسيلة اساسية هذه الايام لنشر المفاهيم الانسانية وتثيقف الناس وتطوير ارضية معلوماتهم وتشجيعهم على القراءة والاطلاع والعمل البحثي في جميع المجالات.
الظاهرة الوائلية يفترض أن نقف امامها طويلاً وان نتمعن النظر ونحفز على أن يحتذى الجيل المنبري الحالي بها،وأن يطرز الدرس الديني بالمعلومات الدقيقة وان تضع ضوابط واضحة وصارمة للحد من ظاهرة استسهال الصعود على المنبر التي اراها قد استسهلت هذه الايام وان يمتلك الخطيب المنبري علما ولغة وفقها وتوازناً في الطرح وأن يتبعد عن التطرف وأن يسعى إلى تعزيز المشتركات بين المذاهب وأن يناقش المختلف عليها بالعلم والحجة، نحن بحاجة إلى ان تعم الظاهرة الوائلية المتزنة التي تكافح التطرف وتنمي الفكر ، مرة اخرى اقول الشيخ الوائلي ..اين انت ؟.