18 ديسمبر، 2024 10:59 م

الشيخوخة : مشاكلها وامراضها

الشيخوخة : مشاكلها وامراضها

تدعي بعض الفرضيات الطبية أن جسم الانسان يكون في اعلى مستويات الاداء لوظائفه عندما تتساوى عمليات البناء والهدم ( الانابولزم والكاتابولزم ) في عمر 27 الى 28 سنة وانه بعد ال28 سنة من العمر تبدأ عملية الهدم او الكاتابولزم بالتفوق على البناء او الانابولزم , أي أن عملية الشيخوخة وفق هذه الفرضية تبدا في عمر ال29 سنة .الشيخوخة هي عملية يبدأ فيها الجسم بالاندثار وتبدأ عملية البناء بالتوقف ويحاول الجسم المحافظة على فعالياته من خلال عملية أساسها الاصلاح والادامة (أي إبقاء الجسم بقدر الإمكان في حالة توازن) .يعاني الانسان في الشيخوخة من ثلاث حالات رئيسية هي: 1-عملية الاندثار أي استهلاك أجهزة الجسم واعضائه و2- الامراض التي تصاحب الشيخوخة كارتفاع ضغط الدم والسكري و3-ازدياد استخدام الادوية نتيجة للحالتين السابقتين كالمسكنات لآلام المفاصل وادوية الضغط والسكري.
وصف لي احد معارفي وهو بعمر ال70 عاما فرحه واحتفاله اذا استطاع دخول الحمام وإخراج امعائه بسهولة يوميا ولم يلجأ الى الملينات , كما أنه يفرح اذا خرج للتمشي واستطاع الاحتفاظ بتوازنه طول الرحلة ولم يسقط او يتعثر او ينزلق . كما وصف لي شخص اخر في عمر قريب الى عمره فرحته اذا استطاع الحفاظ على وضوئه لصلاتين متتابعتين وهو ما يعطينا فكرة عن شدة التغيرات التي تحدث مع العمر في وظائف الجسم وتأثيرها الكبير على الحالة النفسية والمعنوية للشخص الكبير في العمر. جسم الانسان اذا قارناه بالآلة كالسيارة فهو يُستهلك مع الحياة اليومية و يبدأ ذلك يظهر في ضعف أداء بعض الوظائف كحركة الأمعاء او التوازن او النظر او سرعة المنعكسات كما في السياقة حيث ردود الفعل السريعة للسائقين الشباب والسرعة في المسير يقابلها البطيء في السياقة وبطيء ردود الفعل للسائق العجوز.
من الناحية الواقعية (أي المحسوسة) تبدأ مظاهر الشيخوخة لدى اغلب الناس بشكل واضح بعد الخمسين من العمر وقد تتقدم لتبدأ لدى البعض في الاربعينيات او تتأخر حتى الستينيات وذلك لاختلاف الناس في امكانياتهم الجسدية .في بداية عمر الانسان وخصوصا في المراهقة وفي العشرينيات من العمر يعتقد الكثير من الاشخاص انه يتحكم بجسمه خصوصا اذا كان يتمتع بصحة جيدة او كان رياضيا وتدرب جيدا على الانجاز الرياضي ,ولكن الحقيقة ان وظائف جسم الانسان تتكون من نوعين من الوظائف وهي الوظائف غير الارادية كالهضم او وظيفة القلب او تبادل الغازات بين الجهاز التنفسي والدم ووظائف ارادية كالحركة او الكلام او الاكل وهو ما يدعو الانسان الى تصور سيطرته التامة على جسمه , مع العمر تبدأ هذه السيطرة بالاضمحلال الى أن يعود بعد الثمانين كما ولدته امه حيث يفقد السيطرة على اغلب فعالياته الارادية و يمكن لحجر صغير ان يسقطه على الأرض او قد ينزلق في الحمام بحركة بسيطة.
ومن اهم التغيرات والمشاكل التي تحدث في جسم الانسان مع العمر مايلي:
1-فقدان الجلد لمرونته ونظارته وظهور التجاعيد على البشرة وخصوصا الوجه و تعتبر من اهم علامات الكبر و من اكثر العلامات التي تتناسب بشكل طردي مع العمر ويحاول الناس والطب تأخير ظهور التجاعيد او اخفائها سواءا من خلال عمليات الحقن او الشد او تغطيتها بالمساحيق او الكريمات لاعطاء صورة مغايرة لما هو عليه الجلد.
2-تغير لون الشعر الى البياض او الشيب وهو من اهم العلامات (مع التجاعيد على البشرة) للدلالة على الكبر في العمر والشيخوخة وقد تناوله الشعراء والادباء في وصفهم لكبر العمر .و يستخدم لون الشعر الابيض في التمثيل لاظهار الكبر في العمر لسهولة تغييره ,حيث أنه من اهم العوامل التي يمكن تغييرها من خلال الاصباغ لاظهار الشخص بعمر اصغر ولا يزال قول ناظم الغزالي (عيرتني بالشيب وهو وقار ليتها عيرت بما هو عار )يصدح في اذاننا .
3- ترهل الجسم : بسبب التغيرات في العضلات والانسجة الاخرى الرابطة والعظام يفقد الجسم رشاقته ويحل الترهل في الكرش او عضلات البطن والذراعين والرقبة والارداف والثديين.
4-ضعف النظر: وهو من العوامل المهمة التي تصاحب الشيخوخة وبشكل اقل من العاملين الاوليين واغلب البشر يحتاجون الى النظارات للمساعدة في القراءة وممارسة بعض الاعمال الدقيقة خصوصا في الاربعينيات من العمر.
5-تناسق حركة الجسم : تبدأ حركة الجسم بفقدان تناسقها مع العمر ويفقد الجسم رشاقة الحركة ويصبح الشخص عرضة لفقدان التوازن والانزلاق ,نتيجة ضعف العضلات وفقدان القوة فيها كما أن امراض المفاصل والعظام وهشاشتها وسوفان(او خشونة) المفاصل والفقرات (خصوصا الرقبية والقطنية) تزيد فرص السقوط والانزلاق والسقوط في الحمام احد اهم أسباب كسور رقبة عظم الفخذ في كبار السن.
6-فقدان قدرة الجسم واجهزته على التأقلم مع التغيرات المناخية :يعاني كبار السن من مشكلة بطيء تاقلم الجسم مع التغيرات المناخية مما يؤدي الى تأثراجسامهم الشديد خلال فترات التغير المناخي و الى معاناتهم الشديدة من البرد والحر وقد نسمع في الاخبار بحدوث وفيات في كبار السن بسبب موجات الحر او البرد وخصوصا في الدول المتقدمة حيث تسجل هذه الحالات بشكل دقيق اما في الدول المتخلفة فمن الصعب تسجيلها نتيجة تخلف وسائل الرصد والتسجيل وقد تسجل الوفيات الناتجة عن الحر او البرد تحت تشخيص اخر كالجلطة او عجز القلب .
7- يزداد ضعف جهاز المناعة مع العمر ويصبح كبار الناس عرضة اكثر الى نزلات البرد والانفلونزا والاسهالات مع شدة تأثيراتها عليهم وعدم قدرة الجسم على التعامل معها كما في الاعمار الأصغر مما يسقطهم في اختلاطاتها الشديدة ويطيل فترة العلاج والنقاهة.
8-ازدياد احتمالات التعرض الى الحوادث كحوادث السيارات والسقوط والانزلاق .
9-ضعف قدرة الجسم على التفاعل مع حالات الصدمة والحوادث كفقدان الدم نتيجة النزف.
10-ضعف الذاكرة والزهايمر والباركنسون .
11-الحالة النفسية والمعنوية لكبير السن:يعاني كبار السن خصوصا في المجتمعات المتقدمة والتي يشكوا فيها كبار السن من العزلة وعدم التواصل مع الأبناء والاقارب من تعرضهم الى الاكتئاب وتدهور المعنويات وقد تصل الى الانتحار بسبب فقدان الحماسة للحياة مما يؤدي الى توقفهم عن ممارسة نشاطاتهم اليومية كالأكل والمشي.
12-ارتفاع ضغط الدم وداء السكري :هناك امراض تأتي تباعا مع الكبر في السن مثل ارتفاع ضغط الدم وداء السكري والامساك المزمن وسوفان الفقرات وانزلاقاتها وسوفان المفاصل كالركبة وهشاشة العظام .
13- الإخراج :يعاني كبار السن من تدهور قابلية الجسم على الإخراج بسبب بطيء حركة الأمعاء وضعف الجهاز العصبي مما يؤدي الى الإمساك الشديد وعدم القدرة على الافراغ مما يضطرهم الى استعمال الملينات والمسهلات والتي قد تربك حركة الأمعاء وتؤدي الى اضطرابات في الجهاز الهضمي. كما يحدث تدهور في السيطرة على الادرار اما بسبب ضعف السيطرة العصبية على العضلات العاصرة في قاعدة الاحليل او ضعف تفاعل المثانة مع احساس الامتلاء او تضخم البروستات في الذكور او نتيجة للانزلاقات الغضروفية والضغط على الاعصاب بين الفقرات.
14- التعرض الى السرطان والاورام: يقال لو عاش الناس بدون أسباب الموت الاخرى لماتوا جميعا بالسرطان , فمع تقدم العمر وتدهور جهاز المناعة وتلف اجهزة وأعضاء وانسجة الجسم وطول فترة تعرضها للعوامل المسببة للسرطان كالتلوث في الغذاء والمياه والهواء يحدث السرطان نتيجة خروج بعض خلايا الجسم عن سيطرة الجسم وجهاز مناعته و هو المصير النهائي للإنسان وسبب موته.
كيفية التعامل مع التطورات الصحية لكبار السن؟
يعتبر طب الشيخوخة فرعا حديثا في الطب ,وقبل ثلاثين عاما لم يكن هناك اختصاص منفصل بأسم طب الشيخوخة ولكنه حاليا اختصاص منفصل من واجبه التعامل مع المشاكل الصحية لكبار السن ,كما اصبحت هناك عيادات متخصصة في طب الشيخوخة. يتعامل هذا الاختصاص مع مشاكل الشيخوخة حيث يدرب كبير السن على كيفية التكيف مع التغيرات التي تحدث في جسمه وكيفية مواجهتها من خلال التدريب والمعرفة بوظائف أعضاء الجسم ,وبعض المساعدات كتغيير بعض اركان البيت كالحمام والأثاث, اوتغيير الملابس والاحذية ,وتغيير بعض العادات في الاكل والشرب وطريقة لبس الملابس ,والمعينات كعصا المشي او الكراسي الخاصة لتقليل المخاطر على الشخص وتقليل فرص تعرضه للحوادث والسقوط والانزلاق, كما يتم تدريبه على أنواع الطعام المفيد صحيا والذي يلائم التغيرات في جسمه. يتم التعامل مع المشاكل الصحية التي تظهر مع التطور بالعمر كمشاكل المفاصل ومشاكل الجهاز الهضمي بالتعاون مع الاختصاصات الأخرى كطب المفاصل والطب الفيزياوي والتأهيل , كما يتم اجراء فحوصات دورية لوظائف الجسم المختلفة.
احمد عبد الحسن المغير/طبيب اختصاص وباحث