لفت انتباهي مقال كتبه شخص يدعى (ظاهر جواد الشمري)، يتحدث فيه عن مناقب (الفتلاوي)، ويكشف فيه عن عنصرية بغيضة تجاه الشعب الكوردي بأسره، واصفاً إياه بنعوت السذاجة والتآمر والعدوانية. طبعاً هكذا مقال ينم للأسف عن طبيعة العديد من الأخوة العرب، ممن يعتبرون أنفسهم عباقرة ورواداً في مجالات العلم والفكر والثقافة والحضارة، بينما للأسف، هم يتذيلون قائمة الشعوب حضارةً، وهم أقلهم رقياً وتقدماً، وقد بات أسمهم مرهوناً بالقتل والذبح والتفخيخ والإرهاب.
أما تاريخياً، فقصص (حرب البسوس) التي تسببت فيها ناقة جرباء بحرب دار رحاها قرابة الأربعين عاماً، وحكايات وأد البنات، وبول البعير، وذبح أحفاد الأنبياء، وسبي نساء الأقوام الأخرى، فأمور يعرف بها القاصي والداني. ولعل هذه النزعة بالكبرياء والاعتقاد بأنهم (خير الأمم) يجعل من العرب في هذه الحالة من التخلف، إذ تحول دون رؤيتهم لواقعهم الأليم ومحاولة الوقوف به.
نظرة بسيطة على التطور الذي لحق بإقليم كوردستان خلال أقل من عشرة أعوام والخراب الذي لا زال يخيم على المناطق العربية من العراق منذ قرون خير مثال على ما ذكرنا، ناهيك عن بطولات البيشمركة بوجه الدواعش مقارنة بجيش (الدشاديش) الذي فر مذعوراً منذ أولى أيام المعارك.
لعل الدليل الآخر على جهل الكاتب، هو مقاله المليء بالأخطاء النحوية، رغم أنه يكتب بلغته الأصلية، وليس ذلك غريباً على شعب وضع قواعد لغته فارسي اسمه (سيبويه). الكاتب يدافع عن نظرية (الفتناوي) عن قتل سني مقابل كل شيعي، بالقول أنها عنت التساوي بالتضحيات من أجل الوطن، وفي هذا تحوير مضحك بالكلام، فما قصدته (الرفيقة حنان) كان واضحاً لكل من لديه ذرة من
الإدراك والوعي، لكن ليس ذلك غريباً بشعب حوَّر معنى لقب (السفاح) من مدلوله الدارج بالقتل والذبح إلى “من يسفح المال سفحاً” .
ويستمر الكاتب بتخرصاته، ويدَّعي أن شعب كوردستان يفضل حكم (صدام) على حكم (البارزاني)، استناداً على خمسة عشر يوماً قضاها بين ربوع أربيل. وهنا المهزلة الأخرى، كثيراً ما نرى الباحثين العظام يتحدثون عن تجارب سنوات طوال من الدراسة والبحث قبل إطلاق الأحكام، في حين كاتبنا العظيم ومحللنا الاجتماعي الفذ يطلق استنتاجاته الخلاقة بناء على أسبوعين من المعايشة والسفر. لعل كلامه هذا نتيجة لهلاوس تعرض لها من هول جمال كوردستان قياساً بالصحراء الجرداء التي أتى منها زاحفاً. كما يبدو أن الكاتب نسي أنه جنوبه العربي لا زال يعيش في عصر البسوس وداحس والغبراء، وهي مفتقرة لأبسط وسائل الحياة اليومية ومظاهر الحضارة والتطور. صدقوني لو تحسنت الأوضاع الأمنية، سيلجأ العديد من صناع الأفلام التاريخية للمناطق الجنوبية من العراق للتصوير فيها، فهي مناطق معدة للتصوير التاريخي دون عناء تحضير ومؤثرات أو خدع بصرية.
وأخيراً، بدل الاعتراف بالاحتلال العربي لكوردستان، وحملات الإبادة الجماعية التي أقترفها العرب بحق الشعب الكوردي، يلجأ الكاتب لمبدأ البداوة التي تربى عليها، ويلقي بقاذوراته الشوفينية والعنصرية على الكورد. فهم يتهم الكورد بخلق الصراعات بين السنة والشيعة، في حين أن صراعهم البغيض هو نتاج لفكرهم القبلي قبل مئات السنين، وهو امتداد لصراع بني هاشم وبني عبد مناف على سدانة الكعبة قبل ظهور الإسلام.
طالما ظل العرب على هذا الفكر الاقصائي التآمري الإستعلائي الدموي، فإنهم سيظلون رمزاً للتخلف العالمي، وسيظل الواحد منا يقول عند التعريف عن نفسه: “إنني من الشرق الأوسط…لكني أرجوكم لست عربياً”.
فعلاً صدق من قال :”عرب وين….و طمبورة وين!”