“أقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي مهامي ومسؤولياتي القانونية بتفان وإخلاص وأن أحافظ على استقلال العراق وسيادته وأرعى مصالح شعبه وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي وأن أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة واستقلال القضاء وألتزم بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد… والله على ما أقول شهيد”. هذا هو نص اليمين الدستورية التي وردت في النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي، والتي أداها جميع النواب في الجلسة الأولى للمجلس. وعند إجراء مراجعة سريعة لمواقف وسلوكيات وأداء هؤلاء النواب، سنكتشف إن الكثير منهم حنثوا بهذه اليمين، وضربوا المسؤوليات الملقاة على عاتقهم بعرض الحائط، وراحوا ينسجون من مناصبهم وصلاحياتهم والسلطة الممنوحة لهم أكياساً لتعبئة المال العام، ونقله إلى مستودعاتهم التي يبدو إنهم قاموا بتجهيزها قبل أن تدق طبول الحملات الإنتخابية وتغلف الشعارات الرنانة واجهات المدن. ومع إن هذا الأمر بات مكشوفاً وواضحاً للجميع، وإن الخوض فيه سيجعلني ربما أبدو كمن “يعلب في الوقت الضائع”، إلا إن السكوت سيجعلني أبدو كمن يرحب باللصوص في منزله، ويخولهم سرقته وسرقة غيره باسمه، راضياً باستمرار الوضع على ما هو عليه. فالنواب –كما معلوم- يعملون بصفتهم سلطة الشعب، وممثلين لكل فرد عراقي، وناطقين باسمه، ومع إن الكثيرين منهم حافظوا على أمانتهم، وكانوا أوفياء لمن صوتوا لهم، إلا إن البعض الآخر عمل على غير ذلك تماماً، وأبحروا في بحور الفساد وهم يهتفون بأنهم يمثلون الشعب، واذا ما بقي الشعب صامتاً إزاء تصرفاتهم تلك، فإنه بذلك يسجل قبولاً ضمنياً بعدم نزاهة من يمثله ومن يتحدث باسمه.
ما دفعني إلى الإنضمام لحشود الغاضبين والمحبطين والمتألمين بسبب الإنحراف الشديد في أداء سلطات الدولة، هو الخبر الذي قرأته عن النائب جواد الشهيلي، العضو في هيئة النزاهة النيابية، إذ يفيد الخبر بأن الشهيلي لا يفقه حرفاً من حروف كلمة “نزاهة”، عندما يعمل على ابتزاز الوزارات والمؤسسات الخدمية في السلطة التنفيذية، فيطلب منها منح شركات تجمعه بهن علاقات “دولارية” وطيدة عقوداً ومناقصات ومقاولات، مقابل عدم خروجه في وسائل الإعلام ليلقي خطابات طويلة عريضة عن فساد تلك الوزارات والمؤسسات، وهي خطابات كنا نصدقها فيما مضى، ونحسب أنها تأتي بدافع حرص السيد الشهيلي على المصلحة العامة، باعتباره عضواً في السلطة التي تراقب أداء الحكومة، وتحاسب المفسدين فيها، ولكن “حبل الكذب قصير” كما يقال، وها هو حبل الشهيلي قد بلغ نهايته، فسقطت أكاذيبه أمام أعيننا. وبالطبع، لا ننكر هنا وجود مساحات شاسعة من مستنقعات الفساد في المؤسسات الحكومية، وباعتراف الحكومة نفسها، ولا ننكر على أعضاء مجلس النواب، ولجنة النزاهة على وجه التحديد، ممارسة الواجبات التي أنيطت بهم، ولكن أن تتم ممارسة تلك الواجبات على طريقة الشهيلي، فهذا ما نستنكره بكل ما أوتينا من قوة.
ولا أدري ما الذي يرمي إلى ذاكرتي محمد سعيد الصحاف حين أستمع إلى الشهيلي وهو يتحدث عن النزاهة ومحاربته لها في وسائل الإعلام، قد يكون السبب هو الأسلوب الذي يتبعه كلاهما في خطاباتهما الرنانة، وهي من نوع الخطابات التي تدل في ظاهرها على إن قائلها صادق في كل حرف ينطقه، لكنها في الحقيقة عبارة عن ترسانة من الأكاذيب، والأدهى من ذلك، إن تلك الأكاذيب معروفة لدى كل من يستمع لها، لكن قائلها لا يرعوي عن تكرارها وإعادة توزيعها بحلة جديدة أحياناً. فمن منا ينسى الصحاف حين قال إن الجنود الأميركان ينتحرون على أسوار بغداد، بينما القوات الأميركية تقف على مسافة كيلومترات من مكان المؤتمر الصحفي الذي كان يطلق فيه أراجيزه؟!!. وكذلك الحال بالنسبة للسيد النائب جواد الشهيلي، الذي ربما لا يتردد في أحد الأيام عن إطلاق تسمية “العلوج” على الوزراء والمسؤولين الذين يرفضون منح الشركات المتعاقد معها عقوداً ومناقصات!!.