{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إنشاء الله}
نشأ الشهيد نشأت مدحت نامق، وتربى، في أجواء معطرة بذكر الله ليل نهار، إذ حط طائر الوجد بقمائطه، مولودا رضيعا، العام 1957، في “طوزخورماتو” التابعة لكركوك، بين أحضان أبوين مؤمنين.. محبين لمنهج الرسالة المحمدية الغراء.
شب على تعاليم الاسلام، من وجهة نظر والديه اللذين يقتديان بسيد الشهداء.. أبي عبد الله.. شهيد كربلاء.. الإمام الحسين (ع).
أكمل الدراسة الإعدادية، داخلا معهد الصحة، يواصل دروسه، متشفعا بعلم الشهيد آية الله محمد باقر الصدر.. قدس سره الشريف.
شباب واعٍ
بنى وعيه الشاب، على مؤلفات الصدر، مؤثرا ومتأثرا بأصدقائه في العمل الجهادي، خلال أيام المحنة التي مــرت على الشعب العراقي، وهم الشهيدين عبد الأمير زين العابدين وحيدر عبد.
عاش متحمــسا لفكر السيد الصدر ووعي طريقه، خاصة بشأن التراحم والتكافل.. يساعد الناس المظلومين الذين يريدون الفرار من العراق، إتقاء ظلم الطاغية المقبور صدام حسين.
لم يفرط يوما بأداء صلاة الجماعة، إنما يضيف لها، ما يلبي نداء الرب مضاعفا، في المثول بين يدي جلالته، تهجدا يستقي نور الآخرة.. ينشره ملء رحاب الدنيا.. عالمان من حول البرزخ الفاصل يلتقيان في شخص الشهيد نشأت.
طوق بعثي
خلال السنة الثانية، من دراسته.. المرحلة الاخيرة في المعهد، وخلال ايام أليمة، من العام 1981، طوق البعثــيون المنطقة منذ مطلع الليل الى الصباح، مسفرا عن إلقاء القبض على نشأت.
وأخذوه مع سيارته.. طوته المسافات المجهولة، التي تلقي بأعظم الرجال الى الهباء، ولم يأتِ للعائلة أي خبر منه، الا بعد ستة أشهر.. مضت.. تقريبا؛ إعلموا الأهل بإعدامه؛ طالبين منهم التوجه الى الطب العدلي لتسلمه/ مشترطين عليهم، الا يخبروا أحدا ولا يقيموا مأتم عزاء وحتى مجلس إستخلاف: “لا تستقبلوا أحدا بتاتا.. مفهوم!” قيلت بلغة زاحجرة إستفزت العائلة، المتشبعة بالحزن والخوف و… مسغبة.
مراسم صمت
دفن في ثرى “وادي السلام” بظل ابي السنين علي بن أبي طالب.. عليه السلام، في بحر العطر الابدي الخالد، من أركان النجف الأشرف، مدينة خلافة الرسول.
أثناء تسلم جسده الطاهر أخذ البعــــثيون من أهله مبلغا من المال؛ لقاء ذلك؛ فجاش الغيظ بأخيه، مصطدما بهم، وتراكمت الأضرار التي ألحقها نظام الطاغية ب.
من أهون الاضرار طرد أخيه عبد اللطيف من العمل، وســـــجنه.. متعرضا للتعذيب، الذي أفضى به الى القضاء!!! والحكم عليه بالسجن المؤبد!؟
أما لماذا يسجن، بما يعدونه (جريرة) أخيه؟ فهذا سؤال لا يجرؤ أحد على طرحه.. حتى القاضي الذي أحيلت اليه الدعوة.
سجن مميت
بقي في السجن سنوات طوال، وبعد خروجه فارق الحياة نتيجة مالاقاه من البعثيين، فهم كثيرا ما يتخلصون ممن يكرهون بالسم البطيء، غير الواضح لكنه شديد القتل.. نافذ المفعول، مع أنهم لا يخشون فضيحة إن قتلوا معارضا!
والدة نشأت.. إمرأة صابر، تجرعت كأس العلقم؛ تتحــــمل فراق ولديها، الذي أنهك مشاعر الامومة المتأججة، في أعماق وجدانها؛ لذا توفيت العام 1986.
ما زال الشهداء الابرار من أمثال نشــــــأت نجوما يتلألأ دمها الذي طهر حياتنا من دنس صدام، مشرقا..
لن تنسَ “طوز خورماتو” قمرا ذا شعاع ناعم النفاذ.. يكاد برقه يخطف البصيرة، ولحد الآن ذكراه باقــــــية في قلوب الناس الذين عشقوا الشهادة.. والى الابد.