{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
فغر حزب “البعث” المنحل، فوهة بركان، تمور بالحمم، في تاريخ العراق، ماضيا وحاضرا، بل ترك تبعات عدائه للإنسانية، تنخر حتى المشيمة الحانية على مستقبل العراق، لتجهضه!
وبتنا شعبا ذا ماض تذروه الريح، كالرمال السافية، وحاضر مترع بالأسى، من دون مستقبل!
لا يجيد أعضاء حزب البعث، سوى القتل والرعب، وسيلة في الحوار، مع من يوافقهم او يناوئهم.. على حد سواء؛ إن كان في السلطة أم خارجها.. القتل ديدنه، حيثما حل وإرتحل؛ لذا رعى الطاغية المقبور صدام حسين حركات الإرهاب في العالم.. من قاعدة وسواها، إمتدادا لما يلحقه بالعراقيين من ذعر… وكان حين إنتفاضة “خان النص” نائب رئيس الجمهورية والحزب والدولة والوزراء.. المحرك الأساس لتخبطات “القيادة” وجورها على الأبرياء!
ومن ضحايا بواكير حكم البعث في العراق، أبطال إنتفاضة صفر.. أربعينية الشهيد أبي عبد الله الحسين.. عليه السلام، ومن بين هؤلاء الثابتون على إحياء الأربعينية الشهيد ناجح محمد كريم المشهدي، ذو الإثنين وعشرين ربيعا.
خان النص
انتفاضة “صفر” أو “الأربعين” او “خان النص” هي الإنتفاضة التي نظمها أهالي النجف، العام 1977؛ ردا على منعهم من قبل النظام البعثي الكافر، من السير إلى كربلاء؛ لإقامة مراسيم العزاء، داخل ضريح الحسين الذبيح، كما دأبت عليه التقاليد الإسلامية، في كل أربعينية.. سنويا.
حينها نشبت معركة، على مدى ثلاثة أيام، بين قوات الأمن والشرطة والجيش.. مع الأسف، ضد السائرين الى كربلاء مشيا على الأقدام.. عزلا من السلاح، إلا الإيمان بالموت نصرا وقدرا وإرادة؛ إذ إستشهد الكثيرون وإعتقل عدد أكبر، من بينهم الشهيد المشهدي.
“الخناجر ما ترد صدر اليهد.. وإسلاحه جرحه.. البير كل ما غمكن جرحه المساحي يزيد ماي” فقد حققت الإنتفاضة هدفها الأسمى، بإخضاع حكومة البعث، لإرادة محبي أبي عبد الله الحسين.. خالدا، عليه السلام، برغم الكم الكبير من شهداء المواجهة المباشرة، وما أسفرت عنه الإعتقالات الهوجاء، من إعدامات مفتوحة؛ لأدنى شبهة! وفق نصيحة معاوية بن أبي سفيان، لولاته على العراق.
جيش الخذلان
ما يؤسف له، أن الجيش العراقي، منذ تأسيسه، في 6 كانون الثاني 1921، يخذل الحق؛ إستخذاءً جبانا أمام الباطل؛ فهو يواجه جبنا ويقاتل جبنا؛ بدليل هزيمته أمام “داعش” في الموصل، العام 2014، لمجرد سماعه بمقدمها.. قبل أن يلقاها.. لكن تاريخه يتعفن بوئده لإنتفاضات العراقيين ضد الطغاة، وأبشعها الجريمة الفظيعة، الذي إرتكبها بحق الشعب، في إنتفاضة آذار 1991!
المشهدي الشهيد
ولد ناجح المشهدي، العام 1955، وشارك مع جموع المؤمنين بثورة الطف، ولم يتردد عن الإقرار بقناعته في ما أقدم عليه، من إنتفاض، ضد قرار حكومة البعث، الذي يمنع عزاء الأربعين؛ لذا أعدم، وخاطره طيب، العام 1977 بينما قاتلوه يتلظون حرقة!
أرأيت صريعا يتشفى بقاتله وهو يموت؟ تلك هي الشهادة، من أجل قضية واضحة الرسوخ في الحق، متجذرة تنفذ الى عمق إرادة الشعب المنتمي لذاته.
إستشد أعزب، فهو ما زال في بواكير شبابه، وعيناه تومضان، ببريق توق لحياة آتية، قطع البعث نسغ معينها! يعمل عسكريا، إعتقل في دهاليز ظلمات الأمن العامة، إثر مشاركته في الإنتفاضة.. صريحا غير معتذر، إلا لأهله الذين تعذبوا طويلا بعده؛ جراء الملاحقات الأمنية، التي ينتهج خلالها جلاوزة البعث سبلا غير لائقة بالرجولة ولا بسياقات الحضارة الإنسانية.. فهم همج غير متحضرين.
إذ خضع ذووه، بعد إعدامه، لمضايقات طالت، الى ان إنشغل عنهم النظام، بمراحل جديدة من تعذيب الشعب!