23 ديسمبر، 2024 5:19 م

الشهيد مصطفى.. حراب من نور وأخرى من نار

الشهيد مصطفى.. حراب من نور وأخرى من نار

مصطفى ناصر, ينحدر من أسرة بسيطة, تقطن مدينة الصدر قطاع 75, لم يكن حزبياً, فليس له حزب يدعمه, أو كتلة تسانده ليصل إلى قبة البرلمان, بشهادة مزورة مثلاً, ولم يكن أحد أقربائه مسؤولا, حتى يحصل على وظيفة, فيكون ضمن حماية وزير مرتشي, أو نائب مزور, ولم يكن يملك المال ليدفع ( كم دفتر لنائبة دلالة أو نائب عرضجي, يروج لمعاملات التعيين والنقل), ليتسنى له الأنتقال من مكانه في الجيش, في الخطوط الأمامية, ليكون بعيداً عن خط النار.

والد مصطفى ليس نائباً أو وزير, أو مسؤول في الدولة, ليتمكن من تعيين أبنه مستشار براتب 12 مليون, وأم مصطفى ليست نائبة أو وزيرة, لتؤمن له رصيدا في بنوك سويسرا, وتختار له يختاً صنع في فرنسا أو أيطاليا, أو تؤمن له فاتورة هاتف بقيمة 4 ملايين دينار شهرياً, كما يفعل بعض الغمان في وطني.

مصطفى قصة وجع, مطرزة برائحة الفقر والموت, والغيرة والنخوة والشهامة والشجاعة, التي لا يملكها لصوص وقراصنة السياسية, وبعض الفزاعات ممن يطلق عليهم لقب مسؤول, من ناقصي المروءة والنخوة.

مصطفى قصة زهد, قدوته فيها خاتم الرسل وأهل بيته (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

مصطفى قصة رجولة, مثله الأعلى فيها أفذاذ من بني هاشم, وهو قصة عطاء ممزوجة بطيبة, نهل أصولها من ال بيت النبوة.

مصطفى قصة وطن, باعه الخونة وتقاسموا دم ولحم أبنائه, مصطفى مشروع شهادة تبدأ حكاية فصوله الحزينة, من بني العلياء ( عليهم السلام), مروراً بمسلم أبن عقيل (عليه السلام), الذي طيف به مقيدا في شوارع الكوفة, والقيت جثته من قصر الأمارة وما أشبه اليوم بالأمس.

كان جريحاً, يشعر بالجوع والعطش فهو محاصر منذ عدة أيام, لكنه لم يشعر بالخوف وهذا واضح على وجهه, وقف بساق مكسورة وأخرى تنزف, يتصفح الوجوه التي تهلل وتكبر فرحاً بأسره, ربما كان مستغرباً لبرهة من الزمن هؤلاء هم من تركت أهلي لأجلهم, وغامرت بنفسي لأجل تحرير مدينتهم, الا أنه وصل لنتيجة مفادها أن هؤلاء الحثالة جاروا على أبناء وطنهم وجلدتهم, وتسببوا بنزوح آلاف العوائل من أبناء محافظتهم, وأختاروا أن يكونوا مع الدواعش.

أجتمع الخونة حوله وبدأ يصفقون, وكأنهم حظوا بصيد ثمين, تلك الأيادي التي تصفق فرحاً بأسر مصطفى, نفسها التي فتحت الأبواب للشيشاني والأفغاني, و قدموا له الأرض والعرض.

تلك الضمائر النتنة, والعقول الأكثر نتانة, والنفوس القذرة والوجوه الأكثر قذارة أرادوا إستعراض قوتهم, أمام جندي جريح أعزل, منهك القوى, وآثار التعذيب واضحة على وجهه, الا أنه أذلهم, وسحق رؤوسهم العفنة, كأسد جريج بين الكلاب فمصطفى يقف بينهم مكشوف الوجه, وهم يختبئون خلف أقنعة, لم تخف قبح وجوههم.

طيف به في شوارع الفلوجة, وأمسى بينهم كصالح في ثمود, كما عبر المتنبي عندما وصف نفسه, لم يشف غليلهم قتله, وتعليق جثته .

ترى أي رب هذا الذي تعبدون؟ وهل هو يأمركم بالتمثيل بجثة الأسير؟ هل هو صنم؟ لو سلمنا جدلا أنه كذلك, سنصل لنتيجة واحدة هي أن الاصنام لا تتكلم؟ من هو النبي الذي تسيرون على نهجه, فكل الانبياء ال 124 الف( عليهم السلام) لا يوجد بينهم نبي يدعوا للتمثيل بالأسير, وتسليم الأرض والعرض, الرب الذي نعبده, رؤوف رحيم فهو القائل في محكم كتابه (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)..سورة الإنسان اية 8.

معظم الكتب التي تتحدث عن موت الأنسان, وخروج الروح من الجسد, تؤكد أن نفس الأنسان أذا كانت طيبة, تكون لها رائحة طيبة, ويحملها الملك بحربة من نور وأذا كانت خبيثة, تكون لها رائحة نتنة, ويحملها الملك بحربة من نار, مصطفى ناصر ستُحمل أرواح قاتليك النتنة, بحراب من نار, ليساقوا بعد ذلك إلى جنهم زمرا, بينما يغمر عبق روحك الطاهرة, التي نسأل الخالق جل وعلا, أن تحمل بحراب من نور تاريخ الباحثين عن المجد والشهادة.