{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
لا تعد فوضى، إنما هي فورة وعي فوضوي، تلك التي عاش بها ضرغام هاشم حياته، بأخلاق ملتزمة، لا تمت بصلة لنصه الصحفي، الذي يقطع شوطا نحو جنون كيركجارد وفان جوخ وفريدريك نيتشة، مع وقوفعه على خط شروع إنساني تأملي، مع أصدقائه.. حتى من كان أهوج منهم؛ إذ إلتقيت بعضهم، فحدثوني بشغف عن إلهامه العبقري في الكتابة والادارة صحفيا، وعن صفاء سريرته النقية، التي دفعته.. ولا اظن روحه الان نادمة، على الدفاع عن “الشروكية” وهو “موصلي”.
القصة تبدأ بإنتفاض ضرغام للحق، عندما كتب الطاغية المقبور صدام حسين، على الصفحة الاخيرة، من جريدة حزب البعث المنحل.. الرسمية “الثورة” التي تصدر عن “القيادة القطرية” ساء ذكرها.
كتب الطاغية اربعة اعمدة، يقال ان عبد الجبار محسن، وهو عماري من “بني لام – النصيرات” صححها لغويا وقوم ركتها البلاغية، ورد فيها أن أهل الجنوب عجم، واعراضهم متهتكة.. تستباح بتشجيع منهم؛ كي يناموا رغدا ونساؤهم تعيلهم واسماؤهم محرمة وان اصلهم هنود و… خزعبلات برغم كونها غير صحيحة، لكنها لو صحت، فلن تشكل مثلبة على الجنوبيين.
تصدى لها ضرغام بعمود أشار فيه الى ان الجنوبيين عرب اصلاء، منزهون عما نسبته لهم الاعمدة الاربعة، وانها مجرد تنكيل ردا على انتفاضة آذار 1991.
فجاءت مفرزة مدنية الثياب.. دموية المخالب والانياب، من مديرية الامن العامة، اتضح في ما بعد انها الاستخبارات العسكرية، التي أمسكت بزمام البلد، عندما إنفلت؛ إثر هزيمة الجيش العراقي، في دولة الكويت الشقيقة، منتصف آذار 1991.
وغاب ذكر ضرغام حتى هذه اللحظة، لكن المخرج التلفزيوني محمد كاظم، كان مسجونا في زنزانة واحدة معه، في الشعبة الخامسة، التي نجى منها بمعجزة، تاركا ضرغام ليعدم! شهيدا، وفق الحديث النبوي الشريف: “كلمة حق عند سلطان جائر”.. من عرب الشمال السنة، دافع عن شيعة الجنوب، ضد مقالات حررها واحد من ابناء عشيرة “بني لام”.. أي “لبة” العمارة.
له ذوق في الصحافة والادب، تعزز بالموقف الشهيد؛ فقد ألقى بنفسه الى فوهة البركان، بالرد على صدام، في قضية إستفزته وطاش لها عقله، حين أدرك حقيقة وهمه بحب الناس له.. متمسكا بالسلطة حد الجنون، صحى من حلم عاشه ورديا وكابده اشعب كابوسا.
إنه كما يسميه الشاعر حاتم عبد الواحد: “زوبعة من الافكار المتجددة، والاشتعال الخلاق، يرفض حتى نفسه…”.
لم يرَ متجهم الوجه يوما، حتى عندما يصطدم بأحد، يحول تذمره الى نكتة، ويحتوي زلل الاخرين، متسامحا مع أخطائهم، عن إقتدار شهم، بلغ حد تبني قضية.. ربما تعني كل منصف، لكن لم يتصدَ لها أحد سواه، حتى من المشمولين بالشتيمة الصدامية الجاهلة.