{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
حاصرت قوات الجيش والشرطة وجهاز حزب “البعث” المنحل، حي “الامين” في بغداد؛ لمبيت الشهيد جهاد كاصد السعدي، في بيت خالته.
ولد الشهيد السعدي العام 1969 في بغداد، معروفا بخلقه الرفيع والتزامه الديني، اكمل دراسته المتوسطة وعمل مصورا فوتوغرافيا.
كتمان
عاش كتوما، لا يفرط بسر إنتمائه لحزب الدعوة، حتى لأهله المقربين، فهم لايعرفون عن تنظيمه السري أي شيء، الى ان حانت لحظة اعتقاله، بعد عودته من محافظة ذي قار متوجها الى بغداد، حيث بيت خالته في “الأمين”.
لم يمكث سوى ليلة واحدة، ضيفا عليهم، وفي الليلة الثانية.. تحديدا عند الساعة الثانية صباحا، إعتقلوه مع اولاد خالته.
لم يكن الطاغية المقبور صدام حسين، يفرق بين بريء و”متهم بحسابته هو” لذا برغم عدم شمولهم بما يعده جريمة، لم يطلق سراح أبناء خالته الا بعد ستة أشهر من سجنهم؛ مأخوذين بما يعده سببا للمؤاخذة.
جثة
قدم جلاوزة البعث بعد عام من جهل الجميع بمصير “جهاد” أي يوم 18 حزيران 1993، يستقدمونه.. إجبارا.. الى مديرية الامن العامة، وهناك أبلغوه بأن له اصبعا معيوبة “وقطعناه.. إبنك ينتمي الى حزب الدعوة العميل، والان عليك تسلم جثته، من دون اقامة أي مراسيم عزاء”.
تعهد
وقع لهم تعهدا بعدم نصب سرادق للفاتحة ولا إستقبال معزين، عائدا بجثة الشهيد، موشومة عليها آثار التعذيب، وقد مضى على اعدامه واحد وعشرون يوما.
مصائب العراقيين في عهد الطاغية صدام، لا تقف عند حد؛ فكل جريمة يرتكبها بحقهم، لها تبعات مستمرة؛ إذ أصيب الوالد والوالدة بأمراض عدة، إثر إعدام ولدهما لتحرشه بكرسي السلطة.
توفيت أم جهاد بعد معاناة طويلة مع المرض، وظل أباه معلقا بين حياة أقرب للموت، وموت مواشك لا يجيء؛ فيريحه.
رحم الله الشهيد السعدي، ولعن أيد نحرت طيبته الإنسانية المشهود بها من قبل معارفه جميعا.. الأقربون والأبعدون، على حد سواء.
ما زالت لقطاته الفوتوغرافية، توثق حيوات صاخبة، تدل الآخرين على ذواتهم، بينما هو في جنات الخلود شاهدا وشهيدا.