18 نوفمبر، 2024 12:26 ص
Search
Close this search box.

الشهيد الصدر رجل الفكر والموقف

الشهيد الصدر رجل الفكر والموقف

عند الحديث عن شخصية علمائية كشخصية الصدر المقدس فكراً ومنهجاً وموقفاً يتطلب الأمر ندوات ومؤتمرات ومجلدات، وإلى الآن لم تعطى هذه الشخصية حقها من قبل الكتاب والباحثين والمفكرين إلا بأقل القليل لاعتبارات كثيرة.

اسهامات الصدر المقدس الفكرية كبيرة وكثيرة ومتنوعة ومواقفه كذلك ولن نتحدث عنها كلها هنا ولكن سنتحدث فقط عن بعض معالمها وعن المزاوجة بين الفكر والموقف والتي أنتجت الحركية الفاعلة لنهضة الصدر الإصلاحية.

إسهامات السيد الصدر الفكرية سبقت تحركه الفعلي في الفترة من 1993-1999، إذ كان الصدر في الفترة السابقة يرسم صورة تحركه الفكري إن صح التعبير وفق منهج خطه لنفسه يمكن أن نلمسه في مواقفه من حركة استاذه وكيفية مشاركاته فيها وتوقفه عن المشاركة الفعلية في بعض الفعاليات وكأنه يعلم ما خطه له القدر من دور فيمتنع عن أي فعل قد يعيق أداء هذا الدور مستقبلاً.

في أوائل كتاباته وآراءه كما في كتاب ” نظرات إسلامية في إعلان حقوق الإنسان” و “كتاب موسوعة الإمام المهدي عج” خاصة في الجزء الرابع منه “اليوم الموعود” ثم كتاباته الأخرى “ما وراء الفقه” وكتاب ” القانون الإسلامي، وجوده، صعوباته، منهجه” وكتاب “منة المنان في الدفاع عن القرآن” وغيرها من الكتب، ويمكن أن نحدد بعض المعالم الفكرية لدى الصدر المقدس بما يلي:

1-استيعاب  فكر من سبقه والعمل على إتمام جهود الآخرين بدل التكرار ونلحظ ذلك في جهده في كتاب الموسوعة في الجزء الرابع الذي جاء متمماً لجهد السيد محمد باقر الصدر في فلسفتنا واقتصادنا.

2-استيعاب الفكر المعاصر (من غير النتاج الحوزوي) ومحاولة تقييمه أو إجابة شبهاته أو طرح بدائل عنه كما في “القانون الإسلامي” وطرحه للفقه بصورة القانون(هناك إشارات لهذا الأمر لدى الشيخ اليعقوبي) ، وكما في حديثه عن نظرية التطور وحديثه عن النسبية لانيشتاين وفكره عن فلسفة التاريخ وغير ذلك.

 

3-الارتقاء بمستوى الطرح الفقهي كما قلنا في النقطة السابقة بخصوص القانون، وكما في كتاب ما وراء الفقه الذي لبحوثه دور كبير في تطوير الرؤية الفقهية، وكما في إدخال العلوم التجريبية في العمل الفقهي(وقد واكب الشيخ اليعقوبي هذا الجهد واكمله) ، وكما في فقه الموضوعات الحديثة ، وكما في الخطوة الجريئة “فقه الفضاء” والتي تعطي فقه استباقي وهذا عكس ما مطروح حوزوياً –خاصة في الفقه السني- حول عدم استباق الاحداث لطرح الرأي الفقهي.

 

4-إجابة الشبهات كما في كتبه عن النهضة الحسينية، وكما في كتابه “منة المنان” الذي يؤسس لمنهج جديد أنا ادعو له بقوة وهو المنهج المناسب برأيي لمواجهة شبهات الالحاد المعاصر ألا وهو منهج استباق الشبهات وطرحها والإجابة عليها قبل طرح الآخرين لها، ولذلك فوائد عدة منها: إن طرح الشبهة قبل الآخر يقوي تصوراتنا عن موضوع الشبهة ويوسع مداركنا، ومنها إن طرح الشبهة الاستباقي يعطي قوة للإجابة لا تناسبها قوة الإجابة بعد طرح الشبهة من الآخر، ومنها إن طرح الشبهة الاستباقي يشغل الآخر ويقلل من مشاغلنا لتطوير الأفكار اكثر.

5-

أما على مستوى المواقف والعمل فالصدر المقدس بدء عمله الفعلي في مشروعه الإصلاحي في سنة 1993 تقريباً وخلال فترة 6 سنوات من العمل الإصلاحي صدرت منه مواقف عدة يمكن بيان أهم معالمها بما يلي:

1-التعريف بالحوزة الشريفة إذ يمكن القول إن في عراق التسعينيات من القرن الماضي وما قبله لم يكن يعرف الحوزة إلا أقل القليل فضلاً عن معرفة شخوص العلماء والتفاعل معهم.

2-إنفتاح الحوزة الشريفة على المجتمع عبر التواصل فتوائياً وعبر قبول عدد من الطلبة دون تمييز مناطقي وبناء قاعدة عريضة يمكن التحرك عليها لاحقاص وهذه تعتبر سابقة للصدر المقدس إذ المنهج القائم في الحوزة قديماً يعاكس ذلك.

3-إصلاح المنهج الدراسي لما يناسب المرحلة وطرح أفكار عدة للتطوير وهو بهذا يتم جهد من سبقه خاصة السيد محمد باقر الصدر كما في مشروع جامعة الصدر الدينية.

4-ربط الناس بالحوزة بقوة عبر تبني فكرة ولاية الفقيه وبصورة  فيها شيء من الاختلاف عما ما مطروح.

5-استثمار حالة اليأس الموجود لدى المجتمع والسخط من النظام البائد بفعاليات تشجع على الجرأة والتنظيم. لذا نجد إن أعمار السبعينيات هم عماد حركة الصدر المقدس …

6-إستثمار الموقف الحكومي من الحوزة الشريفة وادعاء الحملة الإيمانية، ومحاربة الولايات المتحدة الأمريكية والتماشي معها بمستوى معين وإعطاء تصورات ساذجة غير واقعية عن حركته قدس سره كما في حالة القول بالتفكير الآني مما اسكت الدولة عن حركته لفترة مناسبة ساعدت على نموها وهذا الأسلوب قل أن نجد له مثيل في التاريخ العلمائي.

7-تربية المجتمع عبر مجموعة من الفعاليات تجعله اكثر طاعة للحوزة وبالتالي لمشاريع الإصلاح وترك العزف على وتر عدم الطاعة، وقد استخدم السيد لهذا الأمر أساليب عدة منها: الفتاوى التي لم تترك جانب إلا وأثارته، حث الناس على المشاركة في الشعائر الحسينية وما المليونيات التي نشهدها حالياً إلا نتاج هذا الصدر الكبير، ومنها توجيب المستحبات وتحريمها في بعض الأحيان كما في حالة المشي لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، ومنها إقامة صلاة الجمعة المباركة وغير ذلك.

فخلق مجتمعاً مطيعاً للحوزة الشريفة وهذا ما نفتقده الآن للأسف فالمجتمع الآن بين طاعة غير حقيقية للحوزة وبين طاعة لعناوين غير حقيقية للحوزة.

8-

من الأمثلة التي ذكرناها وهي لا تستوعب فكر مواقف الصدر المقدس بكل تأكيد والذي نحتاج إلى فهرسته والتأليف فيه كثيراً(اذكر مجلة حبيبي)  فهو لازال بكر كما قلنا سابقاً(اذكر مهرجان كتلة الاحرار ولقاء قناة العهد)، أقول مما ذكرنا نفهم إن الصدر المقدس زاوج بين الفكر والموقف وترجم فكره والفكر المقتنع به إلى مواقف على أرض الواقع بل حاول صنع الأجواء والأرضية المناسبة لمراحل متقدمة من هذا الفكر ومارس دور التمهيد بصورة إيجابية واضحة، وهذه المزاوجة هي المطلوبة فالموقف والعمل الإصلاحي دون فكر مطروح وواضح المعالم يكون خبط عشواء ويكون صاحبه كحاطب ليل قد يصيب وقد يُخطأ بل هو إلى الخطأ أقرب(اضرب امثلة من الواقع الحالي)، والفكر دون ترجمة على أرض الواقع بمواقف وعمل حقيقي يكون مجرد ترف فكري لا طائل منه سوى الإشغال .

أحدث المقالات